كوباني في إقليم شمال شرق سوريا … أيقونة مقاومة العصر ضد الإرهاب

لا تزال مدينة كوباني في شمال شرق سوريا تحتفظ بآثار الخراب والدمار الذي خلفه هجوم تنظيم داعش الإرهابي على المدينة في عام 2014 لتبقى شاهدة على مدى حدة المعارك التي سطّرت فيها وحدات حماية الشعب ملاحم بطولية وحطمت أسطورة داعش المزعومة على أسوار قلعة الصمود كوباني.

ففي السادس والعشرين من يناير كانون الثاني من كل عام يستذكر أهالي شمال شرق سوريا تحرير مدينة كوباني من تنظيم داعش الإرهابي في عام ألفين وخمسة عشر على يد وحدات حماية الشعب التي أبدت مقاومة بطولية في وجه أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم.


في الخامس عشر من سبتمبر ألفين وأربعة عشر شن التنظيم الإرهابي هجوماً واسعاً بالأسلحة الثقيلة والنوعية على مدينة كوباني من محاور عديدة بعد أن سيطر على أكثر من ثلاثمئة قرية في محيط المدينة وعمل على محاصرتها قبل البدء باقتحامها.

هجوم داعش على مدينة كوباني صُنِّف على أنه ثاني أكبر عملية نفّذها عناصر التنظيم الإرهابي على المدينة بعد مدينة الموصل في العراق، بحسب خبراء في شأن الإرهاب، نظراً إلى حجم الهجوم من حيث التفوق العددي والأسلحة التي استخدمها ضد المدينة فضلاً عن اتخاذه من السيارات المفخخة والانتحاريين تكتيكاً رئيسياً في ذلك الهجوم.

أمام تفوق تنظيم داعش الإرهابي العسكري والعددي الذي بدأ بالزحف نحو المدينة، أبدت وحدات حماية الشعب والمرأة مقاومة تاريخية قدم فيها عشرات المقاتلين أرواحهم وقد نفذ العديد منهم عمليات فدائية أمثال أرين ميركان، وباران سرحد، وغيرهم من المقاتلين والمقاتلات لردع عناصر التنظيم الإرهابي ومنعها من التقدم صوب عمق المدينة.

أرين ميركان و وباران سرحد

احتدام المعارك والهجمات الإرهابية التي شنها عناصر تنظيم داعش الإرهابي، دفع المدنيين إلى النزوح صوب مركز المدينة التي كان الحصار يشتد عليها مع مرور الأيام، وذلك خشية تعرضهم لمجازر على غرار ما ارتكب بحق الشعب الأيزيدي في سنجار بالعراق.

العمليات الإرهابية التي شنها عناصر تنظيم داعش الإرهابي أسفرت عن سقوط العشرات من الضحايا في صفوف المدنيين ونزوح أكثر من ثلاثمئة ألف من مدينة كوباني وريفها وتسببت بدمار هائل في المدينة التي أصبحت أثراً بعد عين.

إلا أن مدينة كوباني كانت الحلقة الأولى في مسلسل انتهاء التنظيم الإرهابي ليتلقى بعدها هزائم متتالية على كامل الجغرافيا على يد قوات سوريا الديمقراطية.

وحدات حماية الشعب والمرأة صمدت أمام تمدد تنظيم داعش الإرهابي لأكثر من أربعة أشهر على خلاف المناطق والمدن التي تعرضت لهجمات من قبل عناصر التنظيم بدءاً من الرقة وصولاً إلى الموصل في العراق التي لم تصمد ثماني وأربعين ساعة، الأمر الذي جعل من مدينة كوباني رمزاً للمقاومة لتشغل حيزاً كبيراً من الاهتمام الدولي وتصبح المدينة حجر الزاوية بتصدرها للنشرات وعناوين الصحف الأجنبية.

روكسان محمد ـ الناطقة الرسمية باسم وحدات حماية المرأة

المقاومة التي أبدتها تلك القوات إلى جانب الدعم الشعبي غيّرت من الخطط والمعادلات التي حيكت ضد الشعب في شمال شرق سوريا، والتي كان عرابها رئيس النظام التركي رجب أردوغان الذي كان يحاول خطف تلك المقاومة عبر محاصرته المدينة وإعاقته دخول المساعدات إلى المدينة خلال المعارك ومنع أمريكا من استخدام قاعدة إنجرليك الجوية لضرب تنظيم داعش الإرهابي.

إلا أن إصرار أردوغان على عدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المدينة اصطدمت بغضب شعبي أدى إلى انفجار انتفاضة داخل تركيا وعلى أثرها فقد نحو أربعين مدنياً حياتهم جراء قمعهم من قبل سلطات النظام التركي لإسكات الأصوات المطالبة بمساندة كوباني.

التظاهرات لم تتوقف عند هذا الحد بل امتدت إلى جميع أنحاء أوروبا للمطالبة بدعم مقاومة كوباني ضد أخطر التنظيمات الإرهابية، بوصفها مقاومة أممية وانتصارها هو انتصار جميع الأمم في العالم.

نوري محمود ـ الناطق الرسمي باسم وحدات حماية الشعب

دخول الولايات المتحدة على خط المعارك الدائرة في مدينة كوباني وزيادة التنسيق مع وحدات حماية الشعب والمرأة، جاء بعد المقاومة الأسطورية التي أبدتها تلك القوات والدور الحاسم الذي لعبته والتي أثبتت جدارتها في الحرب ضد داعش رغم عدم امتلاكها سوى الأسلحة الخفيفة في مقاومتها بالأحياء المتبقية من المدينة، معتمدة على تكتيكات حرب الشوارع ونصب الكمائن وعمليات الكر والفر والهجمات الخاطفة.

وقد سطرت وحدات حماية الشعب والمرأة في معارك كوباني ملاحم بطولية في الفداء بعد مقاومة بطولية استمرت مئة وأربعة وثلاثين يوماً، حيث أعلن في السادس والعشرين من شهر كانون الثاني يناير عام ألفين وخمسة عشر تحرير كامل مدينة كوباني ونزع آخر الرايات السوداء عن سماء المدينة بعد معارك أسطورية وصفها المراقبون بمعارك ستالينغراد نظراً لضراوتها، لتصبح رمزاً للمقاومة والصمود والتي تحولت إلى أفلام تحكي قصة انتصار مدينة صغيرة تدعى كوباني على أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم.

قد يعجبك ايضا