لعبة عض الأصابع في لقاء الأهداف المتناقضة بين السوداني وأردوغان

لقاء المتناقضات والغايات المختلفة جرى على أرض بلاد ما بين النهرين، إذ وصل رئيس النظام التركي رجب أردوغان إلى العاصمة العراقية بغداد، محملاً بطموحات وآمال، تختلف كلياً عن تلك التي في جعبة رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني.

فبينما تسعى أنقرة لتحويل العراق إلى باحة خلفية لتنفيذ أجنداتها التوسعية، تطمح بغداد لتصدير النفط من الموانئ في تركيا، وسماح الأخيرة بتدفق مياه نهري دجلة والفرات نحو العراق، وفق الكميات المتفق عليها، في ظل مشكلات التصحر التي تعاني منها البلاد.

وبين جبلي التناقضات هذه، طرحت الزيارة تساؤلاتٍ عديدةً حول مفهوم السيادة في العراق، ومدى أريحية ساسته في تقبل اختراقها من الآخرين وخاصةً تركيا، ومَن مِن الطرفين سيُعتبر خاسراً في لعبة التنازلات على حساب المكاسب، ومَن سيصرخ أولاً في لعبة عض الأصابع.

العراق المتعثر سياسياً، والذي يعيش أزمة اختيار رئيس للبرلمان بعد إقالة محمد الحلبوسي بقرار قضائي من المحكمة الاتحادية العليا، من هذا المنصب في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ما زالت أحزابه حائرةً في التوافق على شخصية من المكون السني، وهو ما نص عليه العرف السياسي في العراق بعد عام 2003.

هذا الخلاف استغله أردوغان، إذ التقى بقادة وممثلي الأحزاب السنية في العراق، دون غيرها من الأحزاب الأخرى، ما فسره مراقبون بأن أردوغان يحاول أن يلعب على حبال الطائفية المتشعبة في أروقة الحكم في العراق، لعله يمسك بملف آخر يضرب به خاصرة العراق الهشة، ويجد من خلاله منفذاً للولوج في اختيار قادة العراق، كما تفعل إيران صاحبة النفوذ اللامحدود، والحظوة الأكبر لدى رجالات الحكم في العراق.

أما تركيا المتعثرة اقتصادياً، فتبحث في السماء عن موارد مالية تنعش بها اقتصادها الذي يترنح تحت وطأة التضخم، الذي جلبته تدخلات أردوغان في قرارات البنك المركزي في تركيا، لذلك تقدم للعراق مشروع إنشاء طريق التنمية والذي يصل مدينة البصرة العراقية في الجنوب بالأراضي التركية، ومنها إلى القارة الأوروبية.

تركيا تحاول استغلال العراق الضعيف سياسياً، فيما يسعى العراق للحصول على حقوقه من خلال بوابة الاقتصاد الذي يؤرق تركيا، وما بين هذين التضادين، يبرز طموح أنقرة التوسعي والساعي لإنشاء قواعد عسكرية حتى عمق أربعين كيلومتراً في الأراضي العراقية، وهنا تكون السيادة العراقية على المحك، وهو ما يثير تخوف الحكومة العراقية, عن صورتها أمام جمهورها الرافض لأي وجود عسكري تركي في البلاد بالأساس، ناهيك عن توسع هذا الوجود.

عثرة أردوغان الصغيرة في مراسم الاستقبال في مطار بغداد عند استقباله من قبل السوداني، ربما تتبعها عثرات أخرى، تلجم أطماعه في اختراق السيادة العراقية، هكذا تمناها عراقيون، وهكذا ينتظر كذلك من يريد الخير للعراق

.