زعماؤنا أشد خطورة من كورونا

تعودنا أن نعيد بعضنا بالخير والسعادة في نهاية كل عام وبدية الجديد على أن يكون كله سعادة وأمل وفرح، وأن يقرب الله البعيد ويتخلص من الغربة القاتلة التي تفرق بين الأهل والأصدقاء. ونحن في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وما نعيشه من حروب وويلات وأمراض وأوبئة، تغيرت معها بعض عاداتنا بعض الشيء وكذلك ستتغير ثقافاتنا وتعاملنا.

عام جديد ندخله وربما سيكون بثقافة وعادات جديدة يفرض علينا التحول وقبوله كواقع وحقيقة وكل ذلك يتم بدافع قوة خارجية موضوعية ويفرضون علينا ما يريدون وكيف علينا أن نكون. ليس شيئًا جديدًا بكل تأكيد هذا الشيء وهو تكرار لما حدث قبل قرن من الزمن خلال الحربين الكونيتين الأولى والثانية. حينها أيضًا تم فرض الكثير من العادات والثقافات الجديدة والدخيلة علينا، رفضناها في بداية الأمر ولكننا تعايشنا معها رويدًا رويدًا حتى باتت جزءًا من شخصيتنا التي لم نعد نعيش من دونها، أو بالأحرى صرنا نقدسها وكأنها الحقيقة المطلقة.

صارعنا الاستعمار الخارجي الذي سعى لتقسيم المنطقة وتفتيتها وفق أطماعه وأجنداته الاستغلالية ووضوعوا لنا دستور نسير على هُداه وشكلوا لنا برلماناتنا وحكوماتنا وحتى تم تعيين البعض من زعماءنا ليكونوا زعماءنا الخالدين ورسموا راياتنا وأعلامنا التي باتت جزءًا مهمًا من كياننا وفي النهاية رسموا لنا حدودًا مقدسة نعتوه بالوطن. كل تم خفره داخل شخصيتنا تارة عنوة وأخرى برضانا بعد أن اقنعونا بأن الحرية لن نعيشها إلا من خلال تلكم المصطلحات التي تحولت إلى سجن يضيق علينا وأسرى لها.

قرن من الزمن ونحن نعيش في سجن كبير اسمه الأمة القوموية والأمة الدينية اللتان تحولتا إلى شعارًا اقتدينا بهما بكل هيجان وحماس لتحرير ما سلب منا من أرض مقدسة، وشغلونا بهذه البقعة من الأرض على أنها أرض الميعاد، وجعلونا ننسى أو أننا تناسينا أن الحرية تبدأ من الذات وعلينا أن نحرر أنفسنا من تلك المصطلحات الدخيلة على عقولنا قبل التفكير بتحرير الأرض. نسينا تحرير الانسان الذي هو عماد الحياة ومعناها، تمسكنا بالحياة وتركنا المعنى والجوهر. وبذلك تحولت حيواتنا لحياة من دون معنى وهدف وجوهر.

الآن وبعد قرن من الزمن يريدون إعادة نفس السيناريو ثانية بمصطلحات هي نفسها ولكن بعد أن وضعوا عليها مئات الأقنعة ليخفوا حقيقتهم لنعيش الوهم ثانية. عقد من الزمن يمر على ما سمي بالربيع العربي ونكرر ذاتنا وغباءنا وكأن الفردوس المفقود هو مستقبلنا. من الثورة العربية الكبرى 1916 وحتى الربيع العربي 2010، لم نفهم اللعبة بعد ونكررها بمزيد من الضحايا والقرابين كرمىً لعيون الزعماء الخالدين والملهمين الذين يسوقوننا نحو مسلخ الشتات والمجهول ليعيشوا هم على وهم سلطة ليست لهم بالأساس.

عام جديد ندخله بعد صراع دامٍ مع فيروس كورونا والشعوب والمجتمعات تعمل جهدها لتجنبه رغم المعاناة التي يعيشونها بالأساس. بتنا نحارب على كثير من الجبهات في آنٍ واحد فقط من أجل أن نحلم بيوم نعيشه بكرامة. حتى أصبح كورونا أقلُ وطأً من زعماءنا الذين يفتكون بالإنسان ويقضون عليه بالجملة وكل ذلك تحت مسمى السيادة والوطن والدولة والقضاء على الامبريالية وأذنابها.

بعد عام من كورونا تعودنا على كيفية التأقلم مع هذه الفيروس كي نحمي أنفسنا من تداعياته المرضية الصعبة، ولكن رغم ذلك تكيفنا مع التعايش معه بعد أقل م عام وذلك باتخاذ بعض الاحتياطات اللازمة الواجب اتخاذها وبعض التغييرات في سلوكياتنا وعاداتنا وثقافاتنا، لكن في نهاية الأمر هناك حالة من الإدراك لتجنب هذا الفيروس. لكن الشيء الذي لم نتعود عليه حتى الآن هو أننا لم نتأقلم مع زعماءنا رغم مرور عقود على اعتلائهم عرش السلطة ورغم كل المصطلحات الرنانة والشعارات التي يطلقونها.

لم يعد الزعماء مقدسين رغم كل يشيعونه ويقولونه على أنهم يحاربون المؤامرات الكونية التي تضرب الدولة والزعيم، لأننا نرى كيف أن الوطن تم استباحته بكل جغرافيته تحت مسمى صراع آلهة السلطة والمال والفساد والسرقات. نرى كيف أنَّ الجميع يستغل الشعب في حروبه العبثية من أجل السلطة وكذلك من أجل كورونا.

سوريا التي كانت مهد الحضارة وكذلك العراق اللذين نشرا العلم والمعرفة؛ كيف تحولا لوطن يعيث فيه فاسدي الوطن والكرامة فسادًا وظلمًا وقتلًا وتهجيرًا من أجل سلطتهم. ما يقوم به الزعماء أفظع مرات من كورونا. حتى أننا تكيفنا بالعيش مع كورونا خلال عام واحد فقط، لكننا لم نتأقلم ولم نتكيف العيش مع زعماءنا رغم مرور عقود على عروشهم السلطوية. تعلمنا وبإرادتنا كيف نحمي أنفسنا من كورونا، لكننا لم نتعلم حتى الآن كيف نحمي ذاتنا من الزعماء والرؤوساء والمرتزقة.

أردوغان الذي لا يقل إرهابًا وظلمًا مما يقوم به من قتل وتهجير وتدمير للبلاد والعباد واستغلال الدين والقومية، بات يشكل تهديدًا كبيرا على الانسان في عموم المنطقة من شرقها لمغربها. حتى كورونا الذي يرهبوننا به لا يشكل ذاك التهديد على الوجود الإنساني من الناحية النفسية والمجتمعية والاقتصادية. أنه اسوء من كورونا بمرات عدة وحتى أن مجرد التفكير بوجود أردوغان خليفة المرتزقة؛ لهو فزع ورهاب ستتعايش معه الشعوب لعقود من الزمن حتى التخلص منه.

معظم قوى الهيمنة تفكر في كيفية التخلص من كورونا وذلك باكتشاف اللقاح والمصل المضاد له كي يتاجروا به على الشعوب، لم يفكروا حتى الراهن في كيفية التخلص مم كورونا زعاماتنا الذين لا يقلون خطوة وتهديد على الانسان.

الكاتب: محمد أرسلان

المصدر: صدى البلد 

قد يعجبك ايضا