العراق: واقع مرير وأزمات متلاحقة وسط صراع النفوذ ومطالب الشارع المحتج

قدر العراق ان يكون ساحة لتصفية الحسابات وحديقة خلفية لجيرانه الذين لم يراعوا به عهدا ولا ذمة، فالأزمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة والنظام الإيراني وأذرعه الإقليمية من جهة أخرى، واحدة من أخطر التحديات التي تواجه النظام السياسي في العراق.

أكثر من ستة عشر عاماً مضت على الإطاحة بنظام صدام حسين على يد القوات الأمريكية، فيما لايزال الشعب العراقي يكافح من أجل استقلالية قراره.

نيران الصراع الإيراني الأمريكي، طالت الشعب العراقي وعرّض بلدهم لأزمة اقتصادية وفساد إداري ومالي لم تشهدها البلاد على مر العصور.

صراع غاب عن ساحته سيادة الدولة العراقية ومصالح شعبها، فالجارة إيران، أبت إلا أن تصادر قراره وتقبض بيد من حديد على جميع مفاصل الحياة، بدءاً من الحياة السياسية وليس انتهاءً بشكل العلاقة مع إقليم كردستان الذي يطالب بتطبيق مواد في الدستور العراقي وأهمها المادة 140.

هذا الواقع، كرَّس وعمَّق الشرخ الطائفي، الأمر الذي مهد لظهور “داعش” أعتى تنظيم إرهابي عرفه التاريخ، ليختار أرض العراق رقعة لخلافته المزعومة وأبناءه وقوداً لمعاركه ومجازره المقيتة، فقتل من قتل وسبى من سبى، وتاه الباقي بين مطارات اللجوء وقوارب الموت.

صعود داعش كان السبب الأبرز لظهور جماعات مذهبية شيعية ، بناءً على دعوة المرجعية بوجوب الجهاد الكفائي لمواجهة التنظيم، حملت في أحشائها رؤية معينة لعراق المستقبل، يكون فيه المنظور الطائفي في البلاد محمياً بقوة السلاح.

67 فصيلا شكلوا ما يعرف بالحشد الشعبي 44 منها فصائل ولائية تخضع للمرشد الإيراني علي خامنئي، ما شكل قوة ضاربة فاقت في نفوذها الجيش العراقي لتمسك شيئا فشيئا بالملف الأمني ومن خلفه الملف السياسي للبلاد.

واقع العراق المتشرذم طائفيا والمتدهور اقتصاديا والمنفلت أمنيا والمتردي خدميا أوصل مرجل الشعب العراقي للحظة الانفجار، ليخرج في تظاهرات شعبية حاشدة احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية المتردية، انتشرت على طول البلاد وعرضها انتشار النار في الهشيم واتسعت دائرة مطالبها لتتعدى الواقع المعيشي إلى المطالبة باسقاط المنظومة الهيكلية للدولة برمتها.

الاحتجاجات العراقية التي راح ضحيتها المئات، لم تغير من الممارسات السياسية شيئا، سوى استقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، في وقت باتت البلاد أمام طريق مسدود بعد اعتذار خلفه المكلف محمد توفيق علاوي عن تشكيل الحكومة وتمسك قادة الأحزاب السياسية بمطالبهم.

وبين طامع وفاسد وتابع، ضاع العراق وتاه في غياهب المجهول، ولسان حال أهله يردد بيت شعر للجواهري: (هم يطلبون على العراق وصاية …عجباً فهل أبناؤه أيتامُ).