الأبعاد الحقيقيّة للصراع حول آرتساخ

يعدّ النزاع حول إقليم آرتساخ مثالاً بارزاً على الصراعات القائمة على خلفيات متعلقة بالاختلاف العرقي والثقافي الذي تؤججه التدخلات الخارجية المبنية على تقاطعات المصالح الإقليمية والدولية، لدول مثل أذربيجان، وأرمينيا، وتركيا، وروسيا، وإيران.

الطرفان الضالعان بشكل أكبر في إذكاء النزاع هما النظام التركي وروسيا، إذ قدّمت الأخيرة خلال الحرب بين أرمينيا وأذربيجان عام 2016، مساعدات عسكرية مباشرة لأرمينيا، في حين دعم النظام التركي أذربيجان وأغلق الحدود مع أرمينيا، مرتكزاً في موقفه على منظومة مركّبة من العوامل الدينية والتاريخية والعرقية، وأجندات السياسية والاقتصاد.

ومع تجدد النزاع مرّة أخرى بين أرمينيا وأذربيجان فإن النظام التركي ما يزال يستغل محددات الدين واللغة والعرق، لشرعنة انخراطه على خط النزاع إلى جانب أذربيجان، من منطلق الترويج لما يردده مراراً المسؤولون الأتراك بأن الأذريين والأتراك شعب واحد في دولتين، ناهيك عن اعتبار أنقرة نفسها مسؤولة عن أذربيجان بوصفها جزءاً من إرث السلطنة العثمانية، كما أنّها من ناحية جغرافية وجيوسياسية تعد بالنسبة للنظام التركي منفذاً ممن يعتبرهم خصوماً كروسيا وأرمينيا وإيران.

لكن الأبرز في أسباب الدعم التركي لأذربيجان ضد أرمينيا، هو العداء التاريخي الذي يكنّه الأتراك للأرمن، والذي كان أشدّ فصوله وأكثرها دموية، الإبادة العثمانية للأرمن عام 1915، والتي تصفها معظم شعوب العالم بالمحرقة.

يضاف إلى ذلك تأثير النزاع في إقليم آرتساخ على سياسات أنقرة في البلقان والقوقاز، بما يحد من فاعليتها في حوضي الأدرياتيكي وقزوين بشكل مباشر، مدفوعة بمتانة العلاقات الاقتصادية بينها وبين باكو، بينما عينها على النفط الأذري والغاز الطبيعي، الذي تعوّل عليه في التقليل من اعتمادها على الغاز الروسي والإيراني، وحجم استفادتها من كونها ممراً لعبوره نحو أوروبا.

من هنا أيضاً ترى روسيا في منطقة جنوب القوقاز عمقاً استراتيجياً، خاصة في سياق المنافسة على أحواض الغاز الطبيعي في بحر قزوين، وخطوط مروره إلى أوروبا، وتعتبر أرمينيا شريكًا استراتيجيًّا لها، سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، إذ تحتفظ فيها بقواعد عسكرية وتسيطر على مجالها الجوي، وتسعى لمنع تقاربها مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، فيما تملك وجوداً عسكرياً في جورجيا، وتربطها بإيران علاقات استراتيجية.

وينقسم المتابعون للحرب بين أرمينيا وأذربيجان خاصة حول إقليم آرتساخ، فهناك من يراها حرباً بالوكالة، بين دول تريد تصفية حسابات بعضها بعضًا في أماكن وملفات أخرى، بحيث تستمر الاشتباكات بين الطرفين باستمرار الدعم المقدم لكليهما دون نضج الظروف لحل توافقي بين طرفي النزاع الأساسيين، أو تطور النزاع إلى مواجهة مباشرة بين الداعمين الإقليميين، وهنا تجدر الإشارة إلى مئات المرتزقة السوريين الذين يزجّ بهم النظام التركي في الحرب، والذين وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان والحكومة الأرمينية، مقتل وإصابة العشرات منهم.

في حين يرى آخرون أن الحرب في تلك المنطقة هي مواجهة مباشرة بين النظام التركي الذي يعد نفسه وريثاً للعثمانيين الذين أبادوا آلاف الأرمن عام 1915، وبين من تبقوا من أحفاد هؤلاء ممن يحملون شيئاً من ذكريات المجازر وآلامها تلك التي تعرض لها أجدادهم.

الكاتب: ضياء التمر

قد يعجبك ايضا