عن نوروز وعفرین (1)

 

الكاتب: محمد أرسلان

یحمل شھر مارس / آذار في طیاتھ الكثیر بالنسبة للشعب الكردي فھو یوم الاحتفال بمجيء الربیع والخلاص من شھر الشتاء البارد وبدایة لتفتح الزھور بعد سبات شتوي طویل.

یوم تساوي النھار مع اللیل وبدایة بذر الأرض لزراعتھا، وبنفس الوقت ھو یوم النھوض من جلوس طویل استمر مع الشتاء لیبدأ وقت العمل والجھد والكد مع الأرض لبدایة سنة جدیدة وزراعة جدیدة. أي أنھ یوم ارتباط الانسان بالعمل لیوم جدید وأملٍ جدید وھو ما یوحي بھ اسم نوروز الذي یتألف من كلمتین (نو) جدید و (روز/ج) یوم، أي الیوم الجدید. وھو بدء موسم الربیع واستعداد الانسان للالتحام مع الارض والعمل فیھا.

وبمعنى أنَّھ في ھذا الیوم احتفل أجداد الكرد منذ آلاف السنین بھ كمھرجان سنوي یستمر لعشرة أیام لبدایة شھر ابریل/نیسان مع بدء موسم الزراعة وارتباط الانسان بالأرض. وربما یكون لھ ارتباط ما مع عید (أكیتو) السومري الذي یبدأ ھو أیضًا في بدایو شھر ابریل من كل عام.

ھذه المھرجانات الشعبیة التي كان یحتفل بھا منذ السومریین وحتى الآن من قبل معظم الشعوب القاطنة في ھذه الجغرافیا وأنھ انتشر في بعض المناطق الأخرى أیضًا. ھذه بدایة مختزلة لھذا العید الذي تحول إلى یوم فرح وسعادة عند الأكراد وغیرھم من الشعوب وبنفس الوقت لیوم
الوعید للكرد من قبل الدول المستعمرة لأجزاء من كردستان بعد تشكل الدول على أعقاب انھیار الخلافة العثمانیة وتشكل دول المنطقة على أطلال الحرب العالمیة الأولى. وربما تكون ثمة أساطیر حول ھذا العید وھذا بیس مجالنا في ھذا المقال.

حیث تحول عید نوروز إلى مناسبة وطنیة عند الكرد بعد أن تمّ إلحاقھا بدول عدة وكان الكرد في ھذا الشھر یعبرون فیھ عن رفضھم لھذا الاحتلال بمحاولتھم استرجاع ما سُلب منھم إما عن طریق الانتفاضات أو الثورات.
ومع أن معظمھا قد تم اخماده بالقوة والعنف والمجازر، إلا أن الكرد ما زالوا مرتبطین بھذا العید على أساس الإصرار على المقاومة لنیل حقوقھم. وما حصل جراء ذلك من عنف وحشي من قبل الأنظمة كان وصمة عار علیھم بقتل الشعب الكردي بكل وحشیة. مثلما فعل صدام حسین بإلقاء الأسلحة الكیمیاویة على مدینة حلبجة والتي راح ضحیتھا أكثر من خمسة ألاف قتیل وعشرات الآلاف من المشوھین أو لنقل الأحیاء الأموات والشھود
الأحیاء على اقترفھ ذاك النظام بحق الكرد، كذلك كانت عملیات الأنفال والتي راح ضحیتھا أكثر من مائة وثمانین ألف قتیل مجھول المكان في صحارى الجنوب العراقي. كذلك تركیا التي لا تعترف بوجود الكرد بتاتًا تقوم بھ ما یعجز القلم عن كتابتھ أو الفم عن النطق بھ من وحشیة قلَّ نظیرھا في العالم بحق الكرد في شمالي كردستان (جنوب شرقي تركیا)، والمستمرة حتى الآن بكل وحشیة تندى لھا جبین الانسانیة. وسجون الاحتلال التركي شاھد على وحشیة ھذا النظام على بربریة الترك بحق الكرد. وبالرغم من كل ما تقوم بھ الدولة التركیة إلا أن ما حصل في السجون التركیة في بدایات أعوام الثمانینات من القرن المنصرم من مقاومة المقاومین الكرد أمثال مظلوم دوغان وكمال وفرھاد علي جیجك وغیرھم الكثیر من الذین أضرموا النار في جسدھم لیبقوا نیار نوروز متقدة تنور ظلمة السجون وظلام قلوب السجانین.

2
وھكذا تحولت السجون التركیة من مكان لكسر إرادة الكرد وتحطیم معنویاتھم إلى أكادیمیة للمقاومین والمستعدین أن یبقوا شعلة نوروز مشتعلة رغم ظلام أقبیتھ وظلم سجانیھ. وكذلك في سوریا ما حصل في شھر آذار من قتل للكرد وزجھم في السجون من غیر رقیب أو حسیب. وما الحادثة المفتعلة في ملعب قامشلو الریاضي من قبل النظام السوري الذي حول ھذه المباراة إلى یوم قتل الكرد واعتقالھم بالعشرات والتي تحولت إلى انتفاضة شعبیة في عموم الشمال السوري.

وطبعًا ایران لیست أفضل من الآخرین فھي أیضًا أثبتت أنھا لیست أقل إجرامًا من النظم الأخرى وجعلت من أعواد المشانق تنتشي وتلعب برقاب الكرد والحبل معلق حول أعناقھم.

من جھة أخرى كان لشھر آذار تراجیدیتھ التي لم تندمل بعد وھي احتلال تركیا لعفرین والذي بدأ بترتیل سورة الفتح لاحتلال المدینة وتھجیر شعبھا وتغییر دیموغرافیتھا وتتریكھا أمام أنظار الكرد متجھة صوب عفرین على أمل تحریرھا من زبانیة العصر المرتزقة وخلیفتھم أردوغان. العالم الصامت وكأنھ یعیش بین القبور. الذكر الثانیة لاحتلال عفرین مرت وما زالت أعین ما دام نوروز باقٍ فھذا یعني أن المقاومة ما زالت مستمرة حتى ولو بعد حین. لأن نوروز یعني الیوم الجدید وكذلك یعني الإرادة والإصرار على المقاومة حتى تحقیق الحریة واعطاء الربیع رونقھ وجمالھ لیكون الربیع ربیع الشعوب كافة ولیس ربیع لشعب على حساب شعوب أخرى.

قد يعجبك ايضا