منذ التاسع عشر من تموز/ يوليو من عام 2012 حيث انطلقت شرارةُ الثورة في مناطق شمال وشرق سوريا من إدارة مدينة كوباني الذاتية، التي توجَّه فيها الشعب الكردي أفواجاً نحو المؤسسات الحكومية بُغية إخلائها من سلطات البعث، لتشرع بتشكيل بنيتها الإدارية، التي تصنع فيها قراراً يتناسب ورؤيتها في منح كل المكونات الشعبية حقوقَها ممارسةً لأولى خطى الديمقراطية، ومنح المرأة فرصةَ الحريةِ أخيرا،ً لتسطِّر قصص البطولة عسكرياً وتتقلد الريادةَ والقيادة إدارياً كأولى مراحل كسر الصور النمطية التي تكبلها بفعل الذكورية ـ وبإحقاق هاتين المرحلتين فإن قرار بسط النظام الإيكولوجي في المجتمع تحصيلُ حاصل ـ ..
منذ التاسع عشر من تموز/ يوليو من عام 2012 وتجربةُ كوباني تُلهم مناطق شمال وشرق سوريا لتدير نفسها ذاتياً، أما ما جعل العالم يخصصُ يوما ًفي السنة تكريماً لكوباني، فذلك يعود لقصة مقاومتها لمحاولةٍ إرهابيةٍ في اغتيال تجربتها وهي في المهد، حتى لا تقتدي بها باقي المناطق، لكن القصصَ الملحمية التي سطرتها شاباتها وشبانها وشيوخها وأطفالها لمقاومة هذا الهجوم ومنعه من كسر قرار شعبها، منحها اسماً أيقونياً في العالم يخلّد من كل بُدٍّ في صفحات التاريخ.
هي قصة ستةِ أشهرٍ ويومين لا راحة فيها ولا هوادة.. نفيرٌ عامٌّ لأهل كوباني من أجل مواجهة معركةٍ غيِر مُتكافئة لا عدداً ولا عُدةً مع عدوٍ وحشيٍّ بسط سيطرته على مناطقَ واسعةٍ من سوريا والعراق ويتغذى من شريانٍ بسطه له النظام التركي عبر الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا ليزداد جشعاً ويلتهم كل تجربةٍ لتحرير الشعوب والمرأة.
في الخامس عشر من شهر أيلول سبتمبر من عام 2014 حاصر داعش مدينة كوباني، ودارت في أحيائها قصصُ مقاومةٍ وفداءٍ أبطالها شاباتٌ وشبابٌ كُرد من وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة بعددهم وعدتهم المتواضعين.
سميرة أحمد ـ شاهدة على مقاومة كوباني
“أنا امرأةٌ من كوباني وكنت حاضرةً في مقاومتها.. في الخامس عشر من أيلول بدأ الحصار والهجوم الأول كان من حي كانا كردا، في البداية انطلق من هناك ثم تم التوجه نحو كوباني.. ونحن كنا هناك كنا نحُضر الطعامَ للمقاتلين ونجهز لهم كل ما هو لازم، كنا أربعةَ نساءٍ نقوم بتحضير الطعام وغسل الثياب، عندما اشتد الهجوم اضطررنا إلى الانسحاب من نبع الكرد نحو هذا الحي حي الشهيد سرحد, كان يوجد هنا جامعٌ اسمه جامع حجي رشيد هناك بدأنا نحن النسوة الأربعة نكمل عملنا في تحضير الطعام.. لكن أولئك الأوباش هاجموا مدينة كوباني، لكن شعب كوباني لم يقبل، وقاوم، نحن شهودٌ على ذلك الحدث، عندما بدأ الهجوم اضطرت بعض العائلات للنزوح لكن نحن النسوة الأربعة قررنا أن نبقى ونصيبنا من نصيب هؤلاء الشابات والشباب المقاومين من وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، فقررنا أن نمد لهم يد العون نحن لا نستطيع استخدام السلاح لكن يمكننا القيام بمهام أخرى”
يتفق شعب كوباني وقادةُ مقاومتها أن مخططَ مهاجمة مناطق الإدارات الذاتية الثلاث كوباني والجزيرة وعفرين، سواءً من قبل الفصائل الإرهابية أو جبهة النصرة الإرهابية الذراع السوري لتنظيم القاعدة وحتى داعش، هو مشروعٌ مدعومٌ من قبل النظام التركي من أجل القضاء على تجربة الديمقراطية لشمال وشرق سوريا في مهدها.
محمود قره موغ ـ رئيس المجلس العسكري لكوباني
“عندما تأسس داعش في بداية 2013 كانت تساعده النصرة في مهاجمة كوباني وبين الفينة والأخرى، هاجمت قرية كندال والخط الشرقي لكوباني لكنها هُزمت، عندما بسط داعش سيطرته على منبج والرقة وازداد نفوذاً وقوة، وقبل محاصرة كوباني كان النظام التركي يرسل له 2000 إلى 3000 إرهابي متدربٍ شهرياً من مختلف الدول، وبعد فشله في الهجوم مرتين تريَّث النظام التركي ليزداد داعش قوةً وينفذ مخطط السيطرة على الإدارات الذاتية الثلاث في عفرين وكوباني والجزيرة، ولكن بالنسبة لهم كانوا يرون كوباني الحلقةَ الأضعف لأنها بقيت محاصرةً لثلاث سنوات دون إمداداتٍ عسكريةٍ أو ماديةٍ، كل شيء يصلها عن طريق التهريب لم يكن هناك معبر، وطالما فشل مخطط أردوغان في هجومين نفذتهما جبهة النصرة والجيش الحر على كوباني استخدم هذه المرة داعش وفي مساء الخامس عشر من شهر أيلول هاجمنا”
تفاصيلُ كثيرةٌ عاشها شعب كوباني خلال الفترة الممتدة من تاريخ الخامس عشر من سبتمبر/ أيلول 2014 وحتى السادس والعشرين من كانون الثاني يناير2015 من بين أكثرها ألماً أن يشارك أبٌ وابنته في المقاومة ضد الإرهاب، وأن يشهد احتضارها بعد إصابتها، دون أن تتثبط عزيمته، وإنما يزداد إصراراً على المواظبة على القتال حتى تحقيق النصر.
محمود بلو ـ مقاتل في مقاومة كوباني
“بالتأكيد تألمت، لكن كل المقاومين حولي كانوا في منزلةِ ابنتي لقد شهدنا استشهاد العديد من رفاقنا وحتى قاداتنا أمام أعيننا، لكن كل رفيق استشهد زادنا اندفاعاً وإصراراً على المقاومة ولم أكن الوحيد الذي خسر ابنته في المقاومة، كان من حولي مَن فقد بناته في سبيل الشهادة ومن فقط أولاده في سبيل الشهادة هناك من فقد اثنين معاً، في تلك المقاومة الجميع كان غيوراً على أرضه وكرديته”
رغم الحصار المشدد تمكنت الشابات والشباب الكرد من أجزاءِ جغرافيا كردستان الأربعة، بدءاً من شمال كردستان وإقليم كردستان إلى شرق كردستان، من اختراق الحدود نُصرةً لكوباني
سميرة أحمد ـ شاهدة على مقاومة كوباني
“في الحقيقة إرهابيو داعش كانوا يأتمرون للنظام التركي، كانوا يعقدون اجتماعاتهم على الحدود هم وأزلام النظام التركي، شاهدنا ذلك بأم أعيننا كان يجتمعون ويتسللون عبر الحدود نحو كوباني، لكن بإمكاني القول إنه ومن أجزاء كردستان الأربع ساندتنا شاباتنا وشباننا، لذلك نحن أهل كوباني أولاداً وأمهاتٍ لا ننسى قيمة كوباني وما حصل فيها، علينا أن نقدر هؤلاء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فداءً لكوبان،ي هناك صورةٌ معلقةٌ لشهيدٍ عندما شارف على الاستشهاد كتب على الحائط أنا مدين لكوباني كنت أتمنى ألا استشهد قبل تحرير كوباني ، من جهةٍ أخرى كان هناك أربعُ شهداءٍ اطلعت على وثائقهم رأيت نفوسهم، أحدهم كان من شرق كردستان والثاني من روج آفا والثالث من باكور والرابع من باشور، أمرٌ في منتهى الدهشة أن تتحد دماءٌ من أجزاء كردستان الأربعة في كوباني”
بالنسبة لسميرة فإن بقاءَها مع المقاتلات والمقاتلين المقاومين كان يمنحها معنوياتٍ عاليةً، وكانت تستعذب البقاء في ساحات المعارك وهي تنصت لشاباتٍ عشرينياتٍ مليئاتٍ بالعنفوان، يُرهبن العدو بضفائرهن .. بتهليلاتهن.. بغنائهن قبل أن تُرهبه رصاصتهن.
سميرة أحمد ـ شاهدة على مقاومة كوباني
“في هذه المنطقة دارت أحداثٌ داميةٌ لم يترك لنا العدو سوى شارعين، في الشارعين تحصَّن مقاتلونا وكانوا عازمين على المقاومة حتى الرمق الأخير وبالأخص المرأة الكردية كانت تقاوم مهلهلة بالزغاريد ونشد الأغاني، وأنا كأمٍّ حقيقةً استلهمت المعنويات العالية منهن، كنت أقول طالما هؤلاء الشابات في ريعان شبابهن يقاومون العدو بهذه العزيمة والإصرار علينا أن نقرر مساندتهن إذاً مهما كان الثمن “
طوال فترة مقاومتها كانت كوباني ضمن العناوين الرئيسية التي يتناولها الإعلام العالمي، لما أثاره أمرُ صمود هذه المدينة الصغيرة المحاطة من جهاتها الأربعة بعدوٍ هَزم فصائلَ وجيوشاً عسكريةً قويةَ العتاد، وبسط سيطرته على أراضٍ واسعةٍ في فترةٍ وجيزة.
محمود قره موغ ـ رئيس المجلس العسكري لكوباني
” الخطة التي وضعها داعش هي أن يسيطروا خلال سبعةٍ أو ثمانيةِ أيامٍ على كوباني، بدعمٍ من النظام التركي عسكرياً واسخباراتياً وآخرَ ماديٍّ من قبل قطر، لكن هذه المؤامرة فشلت، كانوا يريدون السيطرة على كوباني خلال أيام، ومن ثم التوجه نحو عفرين فالجزيرة لكن بفضل استجابة الشعب الكردي لنداء القائد في تشكيل نفيرٍ عامٍ من أجل نصرة كوباني، انضمت الشابات والشباب من أجزاء كردستان الأربعة إلى المقاومة، ونحن مدينون لهم كانوا مدنيين ولكنهم لبّوا النداء واخترقوا الحدود من أجل المساندة وخاصةً شعبنا في باكور الذين سطروا معنا الملحمة كان هناك الكثير من الوطنيين لاستذكارهم من مختلف الأعمار استشهدوا من أجل كوباني قبل حتى أن يستقوا من مائها، لكن بفضل شخصية المرأة الحرة التي تمثلت بآرين والرفيقة ديفانا والقائد الكبير الرفيق كلهات صنعوا الفارق في مقاومتنا”
في كوباني حبُّ الأرض لا تضاهيه عاطفة، رأيٌ أجتمع حوله المتحدثون إلينا عن مقاومة كوباني التي شاركوا في صناعة ملحمتها
سميرة أحمد ـ شاهدة على مقاومة كوباني
“عندما شاهدت الشهداء ومقاومة الشابة الكردية لهذا العدو قلت لنفسي يستحيل علي أن أمنع أولادي عن القتال والمشاركة في المقاومة يوما،ً وجميع أولادنا كانوا منخرطين في المقاومة طبعاً، أنا كان لدي ثلاثة أولاد مقاتلين وأنا والدةُ شهيدة، استشهدت ابنتي في منطقة زورمغارة في 2011 لكني مع ذلك لم أمنع باقي أولادي من المقاومة، في هكذا حالة تشعر ألَم وطنك وترابه تحلم بأمرٍ واحدٍ فقط، تحرير ولو شبرٍ من أرضك لذلك قررت ألا أمنع أولادي من المقاومة، الإنسان ينبغي أن ينطلق من نفسه دائماً وأنا لا أنسى بتاتاً قصة شابٍّ استشهد كان من آمد وكان وحيداً عندما استشهد كنا محاصرين في رقعة صغيرة سمعته يتنهد آخ أمي فتوجهنا نحن الأربعة لنتفقده وأخبرناه كلنا أمك فتأملنا قليلاً وأطلق روحه واستشهد”
في السادس والعشرين من كانون الثاني من عام 2015 انتصرت كوباني بعد أن ارتوت بدماءِ المئات من شاباتها وشبانها.