للكرد وجودٌ ودور يضرب في عمق التاريخ والجغرافيا، وفي العصر الحديث، قادوا ثوراتٍ شعبيةً وطنية على طريق الاستقلال في مناطقهم، وبرز منهم شخصياتٌ مؤثرة في تاريخ الشرق عموماً، لكنهم نالوا في زمن البعث بسوريا أكثرَ من غيرهم من التهميش والإقصاء والقمع…وهنا حدث ولا حرج.
وبسبب سياسات البعث الشوفينية، واجهت القضية الكردية في سوريا، وكلُّ مَن نشط فيها سياسياً أو ثقافياً، جماعاتٍ كانوا أم فرادى، تحدياتٍ كبيرةً من قبل أجهزة مخابرات هذا النظام، لكن انتفاضة الثاني عشر من آذار عام 2004، كانت ردة الفعل الأكبر شعبياً، إذ شارك فيها الكرد من مختلف المناطق السورية، لرفض القمع وسياسات الإقصاء، بعد محاولةٍ من قبل النظام السابق لخلق فتنةٍ عربية كردية، كُشفت خيوطها خلال مباراةٍ لكرة القدم.
قبل بدء المباراة في الملعب البلدي بمدنية قامشلي شمال شرق سوريا، يوم الثاني عشر من آذار عام 2004، وقفت عناصرُ من الأمن التابعة للنظام السابق أمام الملعب، وفتشت جمهور ولاعبي نادي الجهاد المُضيف، دون أن تطبق هذا الإجراء على جمهور نادي الفتوة الضيف القادم من دير الزور، حينها دسَّت مخابرات النظام مخربين بين مشجعي الفتوة لإطلاق شعاراتٍ عنصرية ضد الكرد.
وخلال المباراة تبين أن هؤلاء أدخلوا معهم حجارةً وعصياً إلى الملعب، وأحدثوا مشاغباتٍ بعد رشق الحجارة على مشجعي الجهاد، فسارعت عناصرُ أمن النظام السابق إلى إطلاق الرصاص الحي ضد جماهير الجهاد، ما أسفر عن فقدان أربعة مدنيين كرد لحياتهم.
وما إن سُمعت أصوات الرصاص حتى توجه الآلاف من أهالي قامشلي نحو الملعب لمعرفة ما يحدث، لكن الأمن حال دون دخولهم، ووفقاً لشهود عيانٍ وصل محافظ الحسكة حينها إلى المكان، وأمر بإطلاق الرصاص الحي على الجموع المحتشدة، مما أدى لسقوط مزيدٍ من الضحايا.
في اليوم التالي نزل الآلاف من سُكان قامشلي وريفها والمدن القريبة، لتشييع جثامين من فقدوا حياتهم، إلا أن أمن النظام قام مجدداً بإطلاق الرصاص واستهداف المشيّعين مباشرة، مما أدى إلى سقوط ضحايا جدد.
هنا تحولت عملياتُ التشييع إلى مظاهراتٍ واحتجاجات شعبية عارمة، امتدت إلى مختلف المناطق والأحياء التي يقطنها الكرد في سوريا، واستمرت لمدة أسبوع، بدأت بعدها سلطاتُ البعث، حملةَ اعتقالاتٍ واسعة ضد الكرد، وفصلت 60 طالباً من الجامعات.
بعد قيام الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، تحوّل اسم الملعب البلدي إلى ملعب شهداء الثاني عشر من آذار، حيث تُقام فيه سنوياً بتاريخ اليوم، مباراةٌ وديةٌ بين منتخبي الجزيرة ودير الزور، كانتصارٍ على فشل مخطط الفتنة.