موسكو.. “بوفيه” مفتوح لنظام دمشق!

أظهر المؤتمر الصحفي الذي عقده وزيرا خارجية روسيا وسوريا في دمشق بعد انتهاء جولة المفاوضات الأخيرة، بعض الخلاف بين الطرفين تجاه الإدارة الذاتية، ومناطق شمال وشرق سوريا ومذكرة التفاهم التي وُقّعت بين مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” والإرادة الشعبية، لكنه أظهر تشابك مصالح النظام مع موسكو، في كسر حزمة العقوبات الأمريكية، وإنعاش بعض المجالات الاقتصادية السورية، وترميم بعض المؤسسات.
لم يدفع تشابك المصالح بموسكو إلى المشاركة بفعالية لإنقاذ الغابات السورية التي تحترق منذ أيام في الساحل السوري، بالقرب من قواعد ومحطات الروس، كما فعلت طائراتها في فترات سابقة في إنقاذ غابات تركيا، وغابات اسرائيل، لكنها أثناء الحريق الساحلي الكبير، بدت حريصة في تقديم شبكات أمان للنظام السوري، في مواجهة حريق “قيصر”، وفي ترميم أطرافه المتهالكة.
لن تستطيع روسيا منفردة كسر طوق عقوبات “قيصر” الأمريكية على سوريا، مهما زخرفت جمل مساعداتها، لأنها هي ذاتها مشموله به، كما أنها تخضع لعقوبات اقتصادية وسياسية أخرى، تتعلق بتقليص حجم نفوذها في المنطقة والعالم، وفي سياق حربها السورية، وحروبها المتواصلة في العالم، وتحت وقع التحالفات والمحاور التي نشأت وتنشأ تباعاً في المنطقة، تحتاج روسيا إلى إعادة رسم تحالفاتها، أو تمتينها، لأن المرحلة القادمة ستشهد المزيد من المواجهات، والأزمات. وتأتي زيارة الوفد الروسي في هذا السياق، بعدما حفلت روسيا في الفترة القريبة الماضية، بحشد من اللقاءات التي تخص الملف السوري، بما فيها لقاء الأتراك، وارتباط ملف إدلب والشمال السوري عموماً بها.
حجم الخلاف بين النظام من جهة وروسيا من جهة أخرى، قد يعيق تنفيذ خطوات كثيرة ترغب فيها روسيا، بحكم تعاملها مع الملف السوري باعتباره ورقة روسية مهمة في مقايضاتها الدولية، وبحكم وصايتها “الشرعية” على النظام في جوانب كثيرة، منها الجانب العسكري والعملياتي، وتقطيع الأراضي، واستثمار الحرب في تغذية نفوذها الجيوستراتيجي.
فهل تستطيع روسيا الضغط على النظام لتغيير اتجاهاته وتعديل مساحات رفضه، وهي التي تحتاجه في كل مرة تريد أن تثبت أن وجودها في سوريا هو “شرعي”، وأنها تستطيع تمرير الرغبات الدولية، في أرقة القصر الجمهوري، وأنها المعبر الأساسي والوحيد لذلك؟
ينظر النظام السوري إلى الملف السوري باعتباره قضية حياة أو موت له، وقد يرفض تنفيذ بعض الخطوات مهما بدت بسيطة، لأنها قد تفتح بوابات خروجه من المعادلة، منها ما يتعلق بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وواقع قوات سوريا الديمقراطية، وما ورد في مذكرة التفاهم، وتنشيط الحل السياسي، والموقف من إيران، وامتداداتها عبر أذرعها العسكرية وميليشياتها في سوريا والمنطقة.
يحاول رئيس الوزراء العراقي بناء تحالف “أنظمة” جديد في المنطقة، مهمته مواجهة النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة، وورد ذلك عبر أحاديثه الصحفية والسياسية، وزياراته المتعددة في الداخل العراقي لأسر الناشطين الذين اغتيلوا، بحكم تحريضهم ضد النفوذ الإيراني.
تحالف أنظمة متضررة من إيران، وتنامي نفوذها وخروقاتها وأجنداتها، تحالف ضم مصر والأردن، في ذات الوقت الذي نما تحالف استراتيجي آخر، ضم ثلاثي “السلام” المصري والاسرائيلي والاماراتي، بعد توقيع معاهدة سلام اسرائيلية اماراتية، وجهته المعلنة، هي إيران أيضاً.
في ظل تعدد المحاور، وتلازم مساراتها، تظهر إيران في الواجهة على أنها العدو لأول الذي يجب تحجيم نفوذه، هذا العدو الذي يعتبر أحد الأفرع الرئيسية لضامني الأستانة، البوصلة الأخرى التي تلعب فيها روسيا، في مواجهة جنيف والمجتمع الدولي.
يمتد النفوذ الايراني عميقاً في سوريا، وفي تفاصيل النظام السوري، وأروقة قصوره أيضاً، وتبدو أية عملية سياسية أو عسكرية لقطع أوصاله ستصاب بمقاومة شديدة، أظهرها النظام في مرات كثيرة، كان آخرها حين هدد عبر أحد أبواقه بمقاومة شعبية ضد القوات الروسية.
حمل الوفد الروسي الكبير هذه الأوراق الصعبة، الملفات الخطيرة، لحليفه “الصعب”، وربما طلب تقديم تنازلات، تحدث عنها محللون أنها تنازلات “حدّيّة” وكبيرة، لكن صمت النظام، وأزماته المتلاحقة، وعجزه عن استثمار الملفات السياسية السورية، يضعه في مهب التنازلات مشلولاً، فهل سوريا اليوم أمام تغيير جوهري، أم أنها مجرد جولة أخرى في الحرب الطويلة!

الكاتب: طالب إبراهيم

قد يعجبك ايضا