ليبيا.. صراع المأزومين!

بعد أن وافق البرلمان المصري في جلسة مغلقة، على دخول القوات المصرية إلى الأراضي الليبية، ممهوراً بموافقة قبائل ليبية، هاجم جهاديون معسكراً للجيش المصري في شمال سيناء.

هجوم الجهاديين على الجيش المصري ليس بالجديد، لكن الجديد فيه هو توقيته، الذي يؤشر إلى مساريب الضعف في الساحة الأمنية المصرية، والتي تستطيع “القوى الجهادية المعادية ومموليها” استعمالها متى شاءت، ما يدفع القيادة المصرية، إلى المزيد من التروي في معالجة الملفات العالقة، ومنها الملف الليبي على الرغم من زيادة لهيب الحرب الإعلامية فيه.

وضع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على مدينة “سرت” خطّاً أحمر، لأن احتلالها يشكّل تهديداً لأمن مصر. لم يتحدث عن طرابلس وعن وجود عصابات الإخوان فيها، ربما لأن حكومة الوفاق “الإخوانية” حكومة شرعية ومعترف فيها في المحافل الدولية. وربما لأن خطّة احتلالها “أو تحريرها” عبر المشير حفتر والجيش الوطني، وبمساعدة روسيا والإمارات وفرنسا، قد فشلت.

بالإضافة إلى ضرب أمنها الوطني عبر العمليات الجهادية، تعاني مصر من أزماتٍ كبيرةٍ قد تعيق أي عملٍ عسكريٍّ خارجي، “أو تساهم فيه”، لأنه يحتاج إلى تمويلٍ ماديّ، وتشريعٍ دوليّ.

بدايةُ أزمةٍ اقتصاديةٍ حادّة، يعكسها حجم القروض الخارجية الكبيرة للبلاد، وهذا يعني أن الإيرادات العامة التي يجب أن تُوجَّه لتمويل المشروعات الخدمية والاستثمارية ستصبح رهينةً للمؤسسات المالية الدولية، تحت عقبة سداد أعباء القروض ومستحقات المقرضين.

وتعاني مصر من أزمة سياسية بيئية مع إثيوبيا، جذرها سد النهضة، الممول من البنك الدولي، مع ديونها للبنك الدولي، وبين استثمار البنك الدولي في سد النهضة، واستثماره في ديون مصر، تبدو مصر عاجزة عن المواجهة في هذه القضية أيضاً إلا في الإعلام.

تملك ليبيا أكبر احتياطي نفطي وغازي في أفريقيا، ويتوزّع هذا الاحتياطي اليوم في مناطق يتقاسمها طرفي النزاع، الجنرال حفتر، وجيشه الوطني، وفايز السراج وحكومته الإخوانية.
يساند أردوغان حكومة السّراج التي استردت كامل طرابلس، لكن أطماعه في ليبيا، أبعد من طرابلس لتصل إلى منطقتي سرت والجفرة، لأنهما منابع نفط، وقاعدتان لأهدافه الجيوسياسية، الممثلة في المواقع التي رسم فيها الحدود البحرية مع حكومة الوفاق، قبالة سواحل الشرق الليبي.

استقدمت تركيا الى ليبيا جهاديي القاعدة من سوريا والعراق، واستقدمت مرتزقة سوريين وفلسطينيين وسعوديين وأردنيين وغيرهم، قبل أن تحسم معركة الغرب الليبي في ترهونه، وتبني قاعدتين عسكريتين، ثم تتقدم نحو سرت والجفرة، نحو المثلث النفطي، تحت ظلال الرضى الأمريكي.
تتقاطع المصالح التركية الأمريكية في الغرب الليبي، على الأقل فيما يتعلق بمواجهة التمدد الفرنسي، “رغم شراكتهم في حلف شمال الأطلسي”، من جهة، وفي وقف التمدد الروسي من جهة ثانية.
التنسيق التركي الأمريكي “الحديث” في ليبيا، قد يخفف التصعيد المصري نحو المواجهة. فحماسة البرلمان المصري لإرسال عناصر عسكرية من الجيش المصري إلى ليبيا، وحماسة المشير حفتر والقبائل الليبية، لا يعني أن القيادة المصرية في طريقها للمواجهة العسكرية مع تركيا، لكنه يحمل دلالة أن مصر لا تزال في مرحلة إرسال رسائل مباشرة وغير مباشرة، في أن القضية خطيرة، ويجب البحث عن حل.

جاء الرد من وزير الخارجية التركي، أن الحل في ليبيا سياسي، وأكد ذلك متحدث الرئاسة التركية حين قال: “إن تركيا لا تسعى إلى التصعيد، ولا ترغب في المواجهة مع مصر في ليبيا”.
مدينة “سرت” تحدد مسار الأحداث القادمة في ليبيا، باعتبارها خطّاً أحمر لمصر، وهدفا جيوسياسياً لتركيا، وإذا كانت حسابات السياسة تعني مفاوضات وفق معايير براغماتية، فإن حسابات العسكر قد تعني مواجهة محدودة قبل المفاوضات.

حصل تغيير كبير في الاستراتيجية التركية في العقد الأخير من حكم أردوغان فيها، فقد وصل عسكره ومرتزقته إلى كردستان العراق واليمن والصومال وقطر وليبيا، وطبعاً سوريا، وهم في الطريق إلى أذربيجان حتماً.

تزاوجت أطماع الطورانية الجديدة في تركيا، في تحالف الإسلام السياسي، مع الحركة القومية المتطرفة. شكل حكم يتمظهر فيه أردوغان بحكم الإخوان فيه، لكنه في العمق، تنفيذ لأجندة الدولة العميقة، وتحالفه مع بهشلي والحركة القومية، التي هي امتداد للدولة التركية العميقة، تعبير واضح عن ذلك.
تحالف يمارس في سلوكه، تكتيكات تنظيمي القاعدة وداعش، عبر الدخول في شقوق الفوضى والانقسام حين تغيب قدرة الدولة المركزية في بؤر التوتر المنتشرة شرق وغرب المتوسط.

الكاتب: طالب إبراهيم

قد يعجبك ايضا