كيف تحوّل “سوريون” إلى أدوات تخدم الأجندات التركية؟

حلمُ إيقونةِ الحراكِ السوريِّ حمزة الخطيب لايزال تحت أنقاض الجدار الذي خطَّ عليه يوماً “الشعبُ يُريدُ إسقاطَ النّظام”، بعدَ أنْ ضاعَ الحراكُ وتاهَ في غياهبِ الارتزاقِ والارتهانِ لدى محتلّي الأمس وهادمي الغد.

فالاحتلالُ التركيُّ الذي جاء إلى سوريا تحت عباءةِ محاربةِ الحكومة السورية وحماية الشعب، لم يألُ جهداً في ضرب سلمية الحراك السوري الذي اقترب خطواتٍ من حلمه حتّى كاد أن يناله لولا عسكرته ودفعه نحو أتون حربٍ أهلية، تخدم أجنداتِ الاحتلال التركي في التحكّم بمساره والهيمنة على جزءٍ كبيرٍ من ميادينه.

كمن يُسمن الشاةَ قبلَ ذبحِها، تعامل المحتل التركي مع السوريين الذين ثاروا على السلطة، حيث وفرَّ لهم الدعم والتسليح وفتح حدوده على مصراعيها أمام تحركاتهم، وبدأ رسم الخطوط الحمر وشطبها أمام القوات الحكومية، التي سيطرت تباعاً على المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلّحة، مقابل صفقاتٍ مقايضةٍ كان عرّابوها الترويكا الأستاني، لتبقى تلك الفصائل منكمشةً ومحاصرةً في جيوب يُرتكب فيها أشدّ أنواع التنكيل والتعذيب بحق قاطنيها بإيعاز من الاحتلال التركي.

ضرب النسيج الاجتماعي والثقافي والتعايش المشترك والتآخي بين مكونات الشعب السوري لم يكن خارج مشروع أردوغان الاحتلالي، فقد شنّت الفصائل المسلّحة مدعومةً من الاحتلال هجماتٍ عدوانيةً على شمال شرقي سوريا راح ضحيتها مئات المدنيين، واحتُلَّت خلالها مناطق واسعة تعرّضت لعمليّات تغييرٍ ديمغرافيٍّ وإعادة هندسة اجتماعية، عبر التهجير القسري الممنهج للسكّان، حيث هُجِّر الآلاف من سكان تلك المناطق وغالبيتهم من الكرد، في محاولةٍ لزرع بذور الحقد في نفوس أبناء الوطن الواحد من كافة المكوّنات.

ولم يكتفِ أردوغان في حرف الحراك السوري عن بوصلته، إذ حوّل معظم الفصائل بعد تسليحها إلى ثلّة من المرتزقة تخدم أجنداته التوسعية في البلدان العربية مقابل إغراءاتٍ مالية، إذ زجَّ المئات منهم في أتون الحرب المستعرة بين قوات حكومة الوِفاق المدعومة تركياً، والجيش الوطني الليبي الذي قضى على نحو ثلاثمئة وخمسين مرتزقاً حتى الآن بينهم عشرون طفلا دون سن الثامنة عشرة، ليجد هؤلاء المرتزقة أنفسهم غارقين في مستنقعٍ بات الخروج منه ضرباً من المستحيل.

اختلفت التواقيت والزمن لكن الهدف والذريعة بقيت واحدة في كلا البلدين، فتذرعُ أردوغان بنصرة الشعب الليبي لتبرير تدخله في ليبيا، لم يخفِ مطامعه الاحتلالية فيها، التي بدأت تتكشّف شيئاً فشيئاً، عبر استخدامه السوريين وقوداً في حربٍ يسعى من خلالها لإعادة أمجاد السلطنة العثمانية البائدة.

الأطماع التركية في خيرات ليبيا لم تعد سراً خافياً على أحد، حيث يحاول الأتراك من بوابتها الوصول إلى موارد الطاقة في البحر المتوسط، وبسط سيطرتهم على شواطئه انطلاقاً من سوريا وصولاً إلى ليبيا مروراً بقبرص، من خلال خطّةٍ أُطلِق عليها الوطن الأزرق، التي كشفت صحيفة الغارديان البريطانية الستار عنها للملأ، وأدواتُها نحو عشرة آلاف مرتزقٍ سوريّ، بالإضافة إلى سعي أردوغان إلى فتح جبهةٍ إضافيةٍ ضدّ الاتّحاد الأوروبي تتمثّل بورقة اللاجئين التي ما ينفك يهدّد بها كلّ ما ضاقت به السبل.

وأمام كلّ ذلك وفي ظلّ الصمت العربي المطبق الذي لم يتعد حدود الاستنكار والتنديد، يضع أردوغان اليمن أيضاً نصب عينيه، ويعدّ العدّة لزرع أذرعه فيها، من خلال مئات المرتزقة السوريين الذين جندهم لاختراق الساحة اليمنية.

فأيُّ مصيرٍ ينتظر البلدان العربية وأيُّ مستقبلٍ ينتظر السوريين ما لم يتخذوا موقفاً واضحاً إزاء المتحكمين بغد أبنائهم، ويعودوا إلى الوحدة والتكاتف فيما بينهم، وتدارك ما تبقّى من أحلامهم التي يصح فيها المثل القائل “فلننجوا بسعدٍ فقد هلكَ سعيد”.

قد يعجبك ايضا