في مثل هذا اليوم تم إعدامها من قبل النظام البعثي العراقي… من هي ليلى قاسم؟

مَن كان يتجرأ على مواجهة طغيان شوفينية البعث عندما وصلَ إلى السلطة في كلٍّ من سوريا والعراق، أكثر بلدَين شهدا تنوّعاً حضارياً لشعوبٍ مختلفةٍ عبر التاريخ، والتي حاول البعث لاحقاً جمعَها وصهرها في بوتقة العروبة؟

مَن كان يتجرأ؟

نظاما البعث الدكتاتوريان في سوريا والعراق مارسا أبشع أساليبِ التعذيب والانتهاكات الخارجة عن نطاق القانون الدولي ومبادئ الإنسانية لكل فردٍ ثائرٍ ساعٍ لنيل حقوقه المسلوبة.

ولأن المرأة الكردية امتازَت بالشجاعة وكثيراً ما حطّمت قوالب النمطية الذكورية في البيئات المحيطة بها، حملت السلاحَ في كثيرٍ من حركات التحرّر والثورات السياسية والعسكرية التي خاضها الكرد عبر مراحل التاريخ ضد أعدائهم.

ليلى اسمٌ لطالما ارتبط بقصص الحب والرومانسية في أدب الرواية والقصة القصيرة والشعر، لكنّه مرتبطٌ لدى الشعب الكردي بقصصِ البطولة والمقاومة، والمناضلةُ الكردية الفيلية ليلى قاسم ـ التي شقّت طريقاً للنضال من أجل شعبها وخاضت مُعتَرَك الحياة السياسية بروح الجاهزية والاستعداد لأي ممارساتٍ قد تُرتَكب بحقها من قبل نظامٍ فاشي ـ ربطت اسمها بالحب والنضال والشجاعة..

ليلى أصبحت شهيدةَ كردستان وأوّلَ امرأةٍ مناضلةٍ في الشرق الأوسط يُنفَّذ بحقها حكمُ الإعدام من قبل السلطات الحاكمة في بلادها.

وجود الشعب الكردي في العراق لا يقتصر على منطقة إقليم كردستان شمالي البلاد وحسب، فهناك الكرد الفيلييون الذين يصلُ تعدادهم بحسب الجمعية الحرة للكرد الفيليين في العراق إلى مليونَي كرديٍّ فيليٍّ يتركزون على طول الشريط الحدودي للعراق مع إيران وفي محافظات بغداد وواسط وديالى، يدينون بالإسلام الشيعي وَفق المذهب الجعفري الاثني عشري.

وكباقي الكرد تعرّض الفيليون للظلم والاستبداد من قبل الأنظمة الحاكمة لكن نظامَ البعث كان أكثرَها إجحافاً وقسوةً بالمطلق..

في عام 1968وعندما انقلب البعثُ على السلطة عسكرياً في العراق بدأ بشنِّ حملة ترحيلٍ ونفيٍّ قسري بحق الكرد الفيليين لأسبابٍ عِرقية وأخرى مذهبية وتم حينها ترحيلُ أكثرَ من 70 ألف فيلي إلى إيران بعد سحب الجنسية العراقية منهم إلى جانب تنفيذ عمليات اختطافٍ وإعدامٍ بحق العديد من الشباب.

لاحقاً وفي عام 1980 أصدر نظام صدام حسين القرار رقم 666 الذي حرم بموجبه الكرد الفيليين من الجنسية العراقية وتجاوز حينها عددُ المُرحّلين من الفيليين إلى إيران أكثرَ من نصف مليون، فيما تم إخفاءُ أكثرَ من خمسة عشر ألفَ شابٍّ فيلي بقيت مصائرُهم مجهولةً لليوم.

هذا وصادر نظام صدام حسين أراضي وممتلكات الفيليين وشرّع لنظامه حرية التصرف بها.

إلى الآن لاتزال جرائمُ الإبادة والتهجير بحق الفيليين تخلِقُ لأجيالهم الجديدة إشكالاتٍ قانونيةً عديدةً في العراق إذ يعجزون عن إيجاد أساليبَ تمكنهم من تحصيل حقوقهم المسلوبة لعقودٍ من الزمان بعد سقوط نظام البعث، وذلك بسبب حالة الفوضى السياسية التي يعيشها العراق في الوقت الراهن.

ليلى قاسم الشابةُ الكردية من مواليد خانقين عام 1952 التي انتقلت أسرتُها من أجلها إلى بغداد لتتمكن من إكمال دراستها الجامعية، إذ التحقت هناك بكلية الآداب في عام 1971وتمكنت من اجتياز سنواتها الدراسية بسهولة، حتى وصلت إلى السنة الرابعة من المرحلة الجامعية التي لم تتمكن من إكمالها بسبب اعتقالها من قبل السلطات وتنفيذ الإعدام بحقها..

عُرفت ليلى منذ نعومةِ أظفارِها بحسِّها القومي العالِ الذي رفض واستنكر سياسات التعريب الاستعمارية الاستيطانية التي شملت التهجير القسري والتعريب الثقافي المُنفَّذَ من قبل البعث منذ عقد الستينيات إلى أوائل القرن الحادي والعشرين من أجل تغيير ديمغرافية مناطقَ متعددةٍ من العراق وتعريبها بالكامل.

تعرّفت ليلى خلال مرحلتها الجامعية على خلايا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني النشطة في جنوب البلاد ووجدتها فرصةً مناسبةً للانتساب إليها ومزاولة العمل النضالي فيها لاستنكار سياسات الإجحاف بحق بني جلدتها.

في السبعينيات وعندما فشلت الهدنة بين الحزب والسلطة الحاكمة انسحبت كلُّ الخلايا الحزبية إلى إقليم كردستان، إلّا أن خلية ليلى بقيت نشطة، ولسوء طالعها فقد تمّت الوشايةُ بها، ممّا أدى إلى اعتقال ليلى وخطيبها ومجموعةٍ من أصدقائهما من قِبَلِ أزلام البعث مُلفّقين بهم تهمةً باطلةً هي محاولةُ تفجير سينما في بغداد.

تمكنت والدة ليلى وشقيقتُها من زيارتها فأطلعتهم أن أزلام البعث يساومونها بإطلاق سراحها مقابل التوقف عن النشاط السياسي والعملِ لصالحهم وأنها حتماً تأبى، ويبدو أن ليلى كانت على علمٍ بأن الأمرَ سينتهي بإنهاء حياتها طالما أنها ترفض الانصياع لأوامرهم، فطلبت من أمها وشقيقتها إحضارَ مقصٍ وزيٍّ كرديٍّ جديدٍ إليها في زيارتهم القادمة.

في الزيارة الثانية أحضرت لها الأمُ ما طلبته فأخذت المقص وقصّت بها خصلاتٍ من شعرها وأهدتها إلى شقيقتها لتبقى ذكرى وشاهدة على نضالها وتحدّيها للموت والطغاة، وعندما ظهرت علاماتُ الريبةِ على وجه شقيقتها قالت لها ليلى سأصبح بعد أيامٍ عروسَ كردستان، وينبغي أن تحتضنني الأرضُ وأنا بكاملِ أناقتي.

صدام حسين الذي كان آنذاك نائباً للرئيس العراقي والذي كان يحاولُ مساومَتَها ويمارسُ التعذيب الجسدي بحقها، أمرَ بفقع عينها اليمنى وشوّه جسدها تعذيباً، وهدّدها في آخر الأمر بإعدامها بعد أن ضاقَ ذُرعاً بشجاعتها فتوجّه بالفعل إلى الرئيس العراقي أحمد حسن البكر وطلب منه التوقيعَ على أمرِ الإعدام وأنه يتحمّل كلَّ تبعات القرار الذي يُحرّمُ إعدامَ فتاة.

في الثاني عشر من أيار من عام 1974تم إعدامُ ليلى دون محاكمةٍ قانونيةٍ في أقلَّ من أسبوعين من تاريخ اعتقالها.

في اليوم التالي تم تسليمُ جثمانِها إلى ذويها وهي مُرتديةٌ زيَّها الكردي الجديد، وأُمرت العائلة بدفنها في النجف بعيداً عنهم، عن أهلها وموطن ذكرياتها.

بقيت قصة ليلى المناضلة الكردية خالدةً وتتكرّرُ على الألسن مع ترديد كل طفلةٍ كرديةٍ لها تحمل اسم ليلى منذ ذلك التاريخ، لدى سؤالها ما معنى اسمك..

شعراءُ الكرد وفنّانوه نظّموا القصائدَ وتغنَّوا بشجاعة ليلى وعزيمتها في الإصرار على مبدأها حتى أصبحت أوّل امرأة في الشرق الأوسط تتقدم منصةَ الإعدام ببسالةٍ وشموخ، دفاعاً عن مبادئها، وهي تبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً فقط.

قد يعجبك ايضا