سنجار….ثمانية أعوام على جريمة الإبادة الجماعية.. هل تحققت العدالة للإيزيديين؟

سنجار.. مهدُ أحد أكثرِ الثقافات أصالةً، وأعتقِ الدياناتِ في تاريخ الإنسانيةِ التي لازمتِ الشعبَ الإيزيدي الذي لطالما عاشَ في البلاِد التي عُرفت بـ “بين النهرينِ” أو مزوبوتاميا.

نقاءُ العرقِ لدى الإيزيديين بحكمِ العاداتِ الاجتماعيةِ التي تمنعُ التزاوجَ خارج حلقةِ شعبهِ، وخصوصيةِ الدّينِ الإيزيدي غيرِ التبشيريّ هي صفاتٌ ميّزت سنجار وجبلَها المقدّس شمالَ غربيَّ العراق عن باقي المناطق..

الإيزيديونَ بقوا وثيقةً حيّةً لتاريخِ المنطقةِ، ما جعل المترّبصين في دول الجوار يتعرّضون لهم ولموطنهم سنجار من أجلِ طمس تلك الهويةِ وتغييبِ تاريخها عبرَ ارتكابِ أربعٍ وسبعين جريمةَ إبادةٍ جماعيةٍ بحقهم على يد مختلفِ القوى التي تناوبت في السيطرةِ على المنطقةِ منذُ القرنِ العاشرِ وحتى الآن.

أحدُ الأسرارِ المفتوحةِ حولَ أسلوبِ الحمايةِ الذي حصّنَ الوجود الإيزيدي هو اللجوءُ لجبلِ سنجار الذي اعتادوا وعورتهُ وتعايشوا معه مفضّلين إياهُ على باقي المناطقِ فكان ملاذَهم الآمن الذي نجّاهم من تلك الجرائمِ عبرَ العصورِ، حتى تلك التي حصلت في العصرِ الحديث!

وإليكم القصةَ ببعضٍ من التفصيل..

تعتبُر سنجار اليوم إحدى المناطقِ المتنازعِ عليها بين إقليم كردستان وحكومة المركز العراقية ما جعلَ من واقع حالها أن تبقى ضحيةَ تأرجحِ المصالح الاستراتيجية وتوازناتِ القوى في الداخل العراقيّ التي شُلّت خلال عام ألفين وأربعة عشر تحديداً قبل تعرّض سنجار لجريمة الإبادة الجماعيةِ الحديثة.

قبلَ ثماني سنواتٍ من الآن، تواجدت قوات البيشمركة في سنجار بالاتفاقِ والتعاون مع القواتِ العراقية التي بدورها كانت في أطرافِ سنجار القريبة، وَفقاً لاتفاقٍ بين الجانبين عام ألفين وثلاثة، لكن سرعانَ ما تبخّر هذا المشهدُ الجيوأمني للقوتين بين ليلةٍ وضحاها من المنطقة في تاريخ الثالث من آب أغسطس عام ألفين وأربعة عشر بعد انسحابهما إبّان الهجوم المباغتِ لتنظيم داعش الإرهابي تاركينَ الإيزيديينَ يواجهونَ مصيرَ الموت لوحدهم.

هنا، حيثُ لم تتوفّر أدنى أساليبِ الحماية العسكرية للإيزيديين فقد استطاع من تمكّن منهم الوصولَ إلى سفح جبلهم المقدّسِ الاحتماء به؛ أمّا من بقي فقد قَضى في مجزرةٍ جماعيةٍ على يد إرهابيي التنظيم أمامَ مرأى من أسرته، زوجته ..بناته وأخواته اللاتي اقتادهنَّ التنظيمُ إلى أسواقِ النخاسةِ بغرض السبيّ والمتاجرةِ بهنّ، وأبنائِهِ، الذين ألحقهم التنظيمُ بمراكز ما أسماها “أشبالَ الخلافة”.

في ذلك اليومِ فقط راحَ ضحيّة الهجومِ المباغتِ خمسةُ آلاف إيزيدي في مجزرةٍ من الإعدامات الميدانية الجماعية، ناهيكَ عن أعداد الضحايا، وغالبيتُهم من النساء والأطفالِ والشيوخ، الذين قضوا في طريق توجههم نحوَ سفحِ جبل سنجار بعدَ تكبدهم معاناة حرِّ الصيف ووعورةَ الطريقِ ومواجهة مصيرِ نفاد الماء والغذاءِ لأيام.

فمن احتموا بالجبلِ بقوا محاصرينَ لأيامٍ قبلَ أن تتوجّه وحدات حماية الشعبِ ووحدات حمايةِ المرأة في شمال وشرق سوريا من إطلاقِ حملٍة لتحريرِ سنجار بفتح ممّرٍ آمنٍ للعالقين في سفح الجبلِ ليتمكنوا من الوصول إلى مخيماتٍ أنشأتها لهم الإدارةُ الذاتية في المنطقة.

وبعد أن بدأتِ المعركةُ الطاحنةُ فعليّاً ضد تنظيم داعش الإرهابي في سنجار بدعمٍ من التحالفِ الدولي، سارع الشبابُ الإيزيدي إلى تشكيل صفوفِ الحماية الذاتية لهُ إسوةً بوحدات حمايةِ الشعب ووحدات حماية المرأة في شمال شرقيّ سوريا، معلنين عام ألفين وأربعة عشر تشكيل وحدات حماية سنجار التي يتجاوزُ عددُ مقاتليها الآن سبعة آلافِ مقاتلةٍ ومقاتلٍ.

وبعدَ أكثر من عامٍ من مجابهة عناصرِ التنظيم الإرهابي الذين نكّلوا بمعابدِ المنطقة وبيوتها ومقابرِ رموزها الدينية، وعرّضوا النساء الإيزيديات لمصير الاستعبادِ الجنسيّ والاعتداء الجنسيّ وصولاً إلى قهرهنّ لدرجة الانتحار تمكّنت وحدات حماية سنجار من تحريرِ مناطقها وتعزيزِ وجودها للحفاظ على أمنِ مناطقها بعد أن فقدت الثّقة في أيّ قوةٍ عسكريةٍ أخرى لتأمين الحماية لسنجار.

وبهدف إعادةِ تهيئة المنطقة بعد الحرب الطاحنةِ التي شهدتها، شكّل الإيزيديون إدارتهم الذاتيةَ وانتخبوا مجالسهم المحليةَ لتنظيمِ شؤونهم الداخلية.

بعدَ كلِّ تلك الويلاتِ، تقول الأرقام إلى الآن أنَّ ستة آلافٍ وخمسمئة امرأةٍ وطفل من الإيزيديين تمّ تعنيفُهم واسترقاقُهم، فيما تعرّض أكثر من ثلاثمئة وخمسين ألف إيزيدي لمصير الفقد والتشريد في مخيّمات النزوح، بينما يقدِّر السكانُ المحليون أنَّ هناك ما يصلُ إلى ثمانين مقبرةً جماعيةً في منطقة سنجار، وكلّها أرقامٌ مرشحةٌ للارتفاع.

أمّا من عاد من الإيزيديين إلى دياره فيواجه اليومَ مصاعبَ انعدامِ الخدمات الحيوية بما في ذلك الرعايةَ الصحية والتعليمَ ودعم سبلِ العيش نتيجةَ هجمات طائراتِ النظام التركي التي تستهدف الإيزيديين بشكلٍ مستمرٍ.

هذه الجريمةُ التي اكتفتِ الأممُ المتحدة بوصفها بالإبادة الجماعية وأقرّت بها الحكومة العراقية لايزالُ ينتظرُ الإيزيديون عدالةَ القضاءِ للبتِّ فيها، وتحسين أوضاعهم إنسانياً وصحيّاً وخدميّاً ليتمكّنوا من نيل حقِّ تقرير المصيرِ بعد جريمة الإبادة التي يصحُّ تصنيفها ضمن الجرائمِ بحقِّ الإنسانية، بحقِّ الطفولةِ وبحقِّ المرأة والتراث.

قد يعجبك ايضا