داعش وزواج القاصرات في أرض “الخلافة”

شعاراتٌ تداولها الكثيرمن النشطاء والمنظمات الدولية والعالمية، وقنوات التلفاز ترامت لأسماع الجميع “لا لزواج القاصرات””لا لقتل الطفولة””لا للأمّهات الصغيرات” ……, ربما لاقت أُذاناً صاغية بفترة من الفترات وسجلت نِسبةً إيجابية في بعض البلدان والدول، أمّا في وقتنا الحالي وتحديداً بمناطق سيطرة داعش، وفي منظور “داعش” ماهذه الشعارات إلّا كفر وبدع يتداولها الكفار, فدفعت تلكَ الوجوه الصغيرةُ الحالمة ثمناً باهضاً، دون أن يسلّط الضوء عليها إلّا بمناسباتٍ معينة، فتيات الرقة والموصل, والفتيات الأيزيديات لاحقاً ورودٌ بين أنياب الذئاب، تُركت تواجه مصيرها المحتوم، جشعٌ يقتل وغرائز تخلق العذاب، وعنجهية بشعة تفطر قلوب من كل من سمع بالقصة.

 

مدينة الرقة تقع في الشمال السوري، وخضعت لتنظيم لداعش بشكل كامل في العام 2014 وتعد المدينة مركزاً للتجمع السكاني، وبعد الإحتلال الداعشي، بدأ إصدار قوانينه وتعاليمه شيئاً فشيئاً إلى حين إغلاق الطرق ومنع السكان من الخروج من أرض خلافته، فأضحت الرقة سجناً لقاطنيها وتنوعت المصاعب وتصاعدت يوماً بعد يوم، إلى حين تطورها بشكل كبير لترتعش العائلات داخل جدران المنزل خوفا من التنظيم، وكان داعش قد بدأ بتطبيق جرائمه بشكل تدريجي ليبتكرجريمةً أُخرى تناهت فضاعتها بالخبثِ والإستغلال بحق الفتيات, أفضل ماتسمى من قبلهم  “زواجاً”، لكن في الحقيقة كان “إغتصاباً مشرعناً، ويقوم عناصر داعش بملاحقة الفتيات القاصرات بالأسواق والشوارع إلى أن يعرفو مكان سكن تلك الفتاة، فيتقدم الداعشي لخطبتها من أهلها بشكل طبيعي، بعض الأهالي يزوجون بناتهم نتيجة الفقر والخوف من التنظيم، وليكون لهم إمتيازات معيشية توفرها مصاهرة الداعشي، أمّا بعضُ الأسر التي تقوم بالرفض, إن لم يحالفها الحظ بالهرب من الرقة مع بناتها، فتتعرض للإبتزاز من قبل الدواعش كتهديد الأب وإتهامه بالعمل كجاسوس، ما يبيحُ قتله على الفور.

هكذا المأساة واقعة وبصورٍ مشابهة كانت تتم الزيجات بمدينة الرقة، لينتشرالزواج القسري بين الفتيات القاصرات في الرقة، وتكون الجريمة جريمتان قسراً وقاصراً, التنظيم كان يرى أنّ المرأة هي أداةٌ للإنجاب وتربية الأبناء فقط، وعناصره اعتبروها ملكاً لهم، فيوصون بها أمام القاضي لمجاهدٍ أخر بعد مقتله, عاملَ عناصرداعش الفتيات بوحشية فمن ضربٍ و شتمٍ  وتجويع إلى تشويهٍ للوجه, وقد يصل ذلك للموت عقاب تلك الطفلة إن رفضت أي أمرٍ لزوجها “مغتصبها”,

” شيماء “هي فتاة في الثالثة عشر من عمرها، ولها شقيق واحد “علي “من مدينه الرقة، تروي قصتها مع داعشي تزوجته “تقول……. ذكرت جارةٌ لنا لأمي أنّ هناك داعشي من أبناء عمومتها  يريدني عروساً له, رفضت أمي مباشرة بسبب صغرسني أولاً، وكرهنا لداعش ثانياً, حاولت الجارة إقناعها لكنها لم تفلح بذلك, تقول شيماء من بعد ذلك اليوم بدأت أرى شخصاً من عناصر داعش يسيرخلفي كلما خرجت من منزلي، مّما أفزعني وأثارالخوف في نفسي وتكررالأمر مراراً, وفي أحدِ الأيام إقتحم الأمنيين “عناصراستخبارات داعش”منزلنا وأخذوا أخي “علي” البالغ من العمر18عاماً, دون معرفة  السبب, حاول والدي مراراً أن يسأل عنه في مقرات التنظيم, لكنه كان يُطرد دون أن يعلم  شيئاً عن أخي, وبعد خمسة أيام جاء ذلك الداعشي, ويدعى أبوالبراء، وهو ذاته من كان يتبعني, تقدم لخطبتي من والدي فرفض أبي قائلاً إنّ ابنتي صغيرة ولا أرغب بتزويجها الأن, كما أنّ وضع العائلة لايسمح فالزواج فرح ونحن لانستطيع أن نفرح ,إبننا معتقل لانعلم عنه شيئاً, فرد عليه الخاطب مارأيك لوأخرجت لك إبنك مقابل تزويجي إبنتكَ صُدم أبي، ثمّ  قال له :يخرج ولدي ولكلِ حادثٍ حديث, فخرج الداعشي بعد أن قال لوالدي”فكربالأمر وغداً سأعود لأخذ منك جواباً”, “إن قبلت تزويجي إبنتك فسيخرج  شقيقها من السجن بعد أن أزكيه “أشفع له”، وحدثنا أبي أنا وأمي بما جرى…،في البداية رفضتُ الفكرة نهائياً, لكن حين رأيتُ دموع والدتي التي بقيت صامتة قررت أن أضحي بنفسي لأجل إطلاق سراح شقيقي, فقلت لوالدي إنني موافقة إبتسم أبي بسمةً يسكنها الحزن والأسى وقال “الله يقدم إلي في الخير”، وفي  صباح اليوم التالي قدِمَ إلينا الخاطب وأخبره والدي أنّنا موافقون وانصرف, لم تمضي ساعةٌ حتى عاد إلينا بصحبة “علي” وعليه أثار التعذيب، عانقتُ أخي و بكى الجميع وبعدها سألَ أبي  أبو البراء عن تهمة أخي, فردّ بأنه إعتقل بتهمة العمالة، علماً أنّ كل أهل الرقة يعلمون من تتهمه داعش بالعمالة يقتل بلا رحمة، وليس له شفيعاً من الموت, فعلمنا أنّ كلّ ماعاناه أخي كان بسبب هذا الداعشي، وبعد أربعة أيام جاء الداعشي بصحبة شخصٍ  أخر لخطبتي، وتمت الخطبة والزواج لاحقاً, ولم يمضي على زواجي شهراًواحداً حتى قتل في إحدى المعارك، وكان قد كتب بوصيته منحي لمجاهدٍ أخر, وحينما علمت بمضمون وصيتهِ قرر أبي أن نغامر ونهرب من الرقة, وبالفعل كتبت لنا النجاة، وتقول شيماء التي تقيم حالياً في أحد مخيمات النزوح مع عائلتها “أنهم لم يكونوا ليوافقوا أصلاً على زواجها بعد أن خرج شقيقها ,لكنّ خوفهم من إعتقاله مرة أُخرى وقتله, دفعهم للموافقة على الزواج بعد أن كان أملُ الخروج من الرقة معدوماً.

وعن الأيام التي عاشتها مع زوجها الداعشي تقول شيماء”أنها رأت الجحيم بعيناها، سجنت بالمنزل وحرمت من رؤية أهلها واستعمال الهاتف , وكان يعاملها كعبدة ووسيلة لإشباع شهواته, وكانتُ تتمنى مقتله ,واستجاب الله لدعائها”،  وتعاني شيماء من مشاكل نفسية وصحية نتيجة هذا الزواج, وهناك ألفٌ وألفُ شيماء الأن في مدينة الرقة.

كانت معظم زيجات عناصر داعش باطلة وأقرب للإغتصاب، حيث كان الداعشي يكتب إسمه بعقد الزواج أبو فلان، في حين أن من شروط الزواج بالشرع أن يحدد إسم الزوج، الّذي كان غامضاً بمعظم حالات الزواج لدى عناصرداعش، وهناك عدة عوامل ساعدت على إنتشار زواج القاصرات سواءً لعناصر داعش أولغيرهم منها:

أولاً: إنتشارالفقر بشكل كبير، وقيام بعض الأهالي بتزويج بناتهم قسراً لعناصرالتنظيم المهاجرين, طمعاً بالسطوة والمال لأن هؤلاء كانوا يدفعون مبالغ طائلة مهراً للعروس، خاصة إن كانت صغيرةً بالسن، ثانياً: تزويج الأهالي لبناتهم بوقت مبكر, خوفاً من أن يتقدم للفتاة داعشي لامجال لرفضه.

ثالثاً: كتيبة الخنساء الّتي كان لها دورٌ كبير بتزويج القاصرات لعناصرالتنظيم بالترغيب تارةً والترهيب تارةً أُخرى، رابعاً: غيابُ الوعي لدى الأهالي الّذين لايزال قسمٌ كبير منهم  يرى الفتاةَ عارٌ ومجلبةٌ للفقر, ويجب تزويجها مبكراً لإزاحة ذاكَ العبء عن كاهِلهم حتى وإن كانت طفلة، خامساً: النزوح حيث وفد إلى الرقة عددٌ كبير من النازحين الذين جلبهم داعش من المناطق التي خسرها، ولم يكن أغلبهم يملك مايكفيه لإطعام أولاده، فقام بتزويج بناته لعناصرالتنظيم لكي يظمنو لقمة العيش, وكان هناك  فتيات يقطُنَّ المخيمات قدمن الى الرقة تم تزويجهن بمهرقدره سلةً غذائية من الأمم المتحدة أعمارهن دون الخامسة عشر.

وفي بعض الأحيان كان أئمةُ الجوامع في الرقة، يخبرون المصلّين أن من يرغب بالزواج من فتاة ذات حسبٍ ونسب  فليأتي لإمام المسجد ،وتكثرهذه الحالات عندما تأتي قوافل النازحين إلى المدينة، وكانت أعمارهن تتفاوت من الثلاثين وحتى الرابعة عشر، بالنسبة لهذه الفتيات غالباً مايكون لأبائهن عدد كبيرمن البنات يرغبون بتأمين مستقبلهن،  بسبب ظروف الحرب الصعبة وكثرة الحل والترحال، وكانت هناك عبارة تقول وراء كل رجل عظيم إمراة أمّا في الرقة بأرض خلافة داعش المزعومة، تصبح العبارة “وراء كل مجاهد طفلة يغتصبها”, بستار ديني مشوه إستغلوا به جهل الناس وبساطتهم لينفذوا مخططاتهم الخبيثة، واشتهرالمغاربة المقاتلون بصفوف داعش بزواجهم من القاصرات في الرقة،  عن طريق الإبتزاز والترغيب أحياناً، ولم تكن تسجل بالرقة مثل هذه الحالات سابقاً، فقد كانت قليلة جداً ولاتكاد تذكر،  لكن نتيجة للأحداث التي عصفت بالمدينة وصولاً إلى سيطرة داعش عليها، باتت أعداد هذه الحالات مخيفة حقاً، إذ تعرضت نسبة كبيرة من الفتيات إلى هذه الحوادث حتى غدت هذه الحالات شبه يومية، ففي كل يوم في الرقة هناك قصة عن زواج فتاة صغيرة لأحدهم وإن كان يكبرها ب خمسين عاماً، فلا ضير من ذلك إن كان المال وفيراً أوداعشياً ذا سطوة ومال أو داعشي مبتز.

وفي سياق متصل نذكر حال تلك الأيزيديات اللواتي عانين بصورة مختلفة نفس معاناة فتيات الرقة، إنما كانت الجريمة، بالنسبة لفتيات الرقة أخف وطأة وأقل ألما، فبعد غزوه للقرى والمدن ذات الأغلبية الإيزيدية في العراق، قام التنظيم بإختطاف النساء والفتيات وقتل الرجال في سابقةٍ  هزت العالم، تحت مسمى “السبايا”، حيث تم نقل الفتيات والنساء إلى الموصل والرقة، ليتم بيعهن في أسواق النخاسة في مشهد مشابه لعصورالجاهلية الظلماء، وعلى مرأى العالم كله ومرأى المنظمات الدولية التي تتشدق بحقوق الإنسان والطفولة هنا وهناك، دون أن تحرك ساكناً بل إكتفو بإطلاق العبارات وإبداء المشاعر، في حين كانت الفتيات الأيزيديات في الرقة يعشن أسوأ مايمكن أن يعاش تحت سلطة داعش من ضرب وجلد وإرهاب نفسي وإغتصاب، ما اظطربعضهن لإعلان الإسلام “إسلام داعش” واعتناقه، وإن كان ذلك لاينهي العذاب لكن يخففه.

كان التنظيم يعاملهن كأدوات متعه لمقاتليه الأجانب بشكل خاص، وكان من بينهن فتيات بالعاشرة من العمر، مع ذلك لم ينقذها صغر سنها من أنياب الذئاب، فتعرضن للإغتصاب، وقد شدد داعش تدقيقه على النساء في الرقة خوفا من هرب” سباياه “، مع ذلك استطاعت عدد من الفتيات الهروب إلى مناطق روج أفا، ويتحدثن للعالم  الأصم عمّا عانينه، وهن الأن يتلقين كافة وسائل الراحة ويشعرن بالأمان، ويبقى كابوس داعش مع ذلك يضهرحتى بأحلامهن، وتنتظر اليوم أعدادٌ كبيىرة من الأيزيديات المختطفات في الرقة أن يتم تحريرهن من أولئك الوحوش، وتجار البشر  ليعدن إلى حياتهن الطبيعية.

الجديربالذكرأنّ قوات سوريا الديمقراطية قد أعلنت معركة الرقه الكبرى مطلع حزيران الماضي، بهدف تحرير المدينة وطرد داعش منها وتحرير من فيها من جحيم المحتلين.

قد يعجبك ايضا