خيار الأسد.. الإسرائيلي!

في سياق الأزمة العسكرية والسياسية والاقتصادية التي يعانيها النظام السوري، وتعانيها المناطق الخاضعة لسيطرته، حيث يبدو في التحليل الإيجابي للأحداث المتواصلة، أن أي اتفاق سلام للنظام مع اسرائيل، وبأي شكل كان، سيشكل مفتاحا له، عبرَ حلحلة سطحية لمشاكله العميقة، وحلحلة جوهرية لشرعيته، وإعادة تأهيله في سوريا وفي المحيطَين العربي والدولي.
لا تخفي إسرائيل لقاءاتها مع الأنظمة العربية، وهي تجاهر بها دائماً، وتحرج مفاوضيها ومفاوضي الخصوم، وتتسبب في إخفاقات، كما حدث بعد إشاعات لقاءاتها مع العاهل السعودي سابقاً، وما تبعها من نتائج عكسية. لكن كشفها لتلك اللقاءات على الرغم من نتائجه العكسية في بعض المرات= لم يتغيّر، ولم يمنعها من تسريب حصول لقاءات، حتى وإن لم تحدث.
تعتقد المعارضة السورية بكل أشكالها، أن ثمة لقاءات تجري بالخفاء، بين النظام وإسرائيل، والعرّابة لهذه اللقاءات هي روسيا.
المعارضة ذاتها كانت تُكرِّر في كل مناسبة، أن النظام السوري ورئيسَه في أمان دائماً، رغم حجم الأزمة، وقساوة الحرب القائمة، وانقسام المجتمع السوري أفقياً وعمودياً، وخسارة النظام دوره في سوريا وفي الإقليم، وتحول سوريا من إقطاعية الأسرة الحاكمة، إلى سوريات منقسمة.
وتبرر سبب أمانهما “النظام ورئيسه” بتشابك المصالح مع اسرائيل، وأن ما يجري من خلافات ومعارك بينهما، ما هو إلا تمثيلية مكشوفة، ومعروفة النتائج، وتهدف إلى تثبيت النظام، وتثبيت حكمه.
لا بل إن شخصيات وتيارات في المعارضة السورية، تحدثوا عن وجود “وثائق” لديهم، تؤكد أن الأسدين ونظامهما منتوج إسرائيلي. وأن باقية أطراف المقاومة والممانعة، هم توابل متنوعة فارسية وإيرانية وفلسطينية، لزيادة أنغام “الوثائق” في اللحن الإقليمي.
يظهر التناقض الكبير في أحاديث المعارضة السورية، حول علاقة النظام البنيوية مع إسرائيل، وعلاقة أطراف محور المقاومة بها، عند الحديث عن رغبة إسرائيل بخروج إيران وقواتها وميليشياتها من سوريا.
فإذا كانت إيران توابل لعلاقة قوية تربط النظام بإسرائيل، فلماذا تصرّ إسرائيل على خروجها من سوريا، ولماذا تغرق مواقعها ومستودعاتها وميليشياتها وجنودها بالقذائف والصواريخ!
وكيف يمكن لروسيا أن تكون في تحالف “متين” مع إيران، بمواجهة التحالف الغربي، الذي يضيق الخناق عليها وعلى إيران، وتكون في الوقت ذاته في التحالف الآخر “الغربي المضاد”، الذي يريد هزيمة إيران، وكسر شوكتها، وتحجيم نفوذها، وهو ما يعني من حيث النتيجة، كسر روسيا، وتقليل نفوذها، ووضعها منفردة في مواجهة تحالف ما زال ينمو ضدها!

ليست هناك مصلحة روسية في خروج إيران من سوريا، فوجودها يعني محاولات متواصلة لخلط الأوراق في سوريا وفي الإقليم، وجدارَ مواجهة غيرَ مباشر مع تركيا، ومع دول الخليج، ولبِنَةً أساسية في التحالف الذي تريده روسيا. ومن جهة أخرى، لا يوجد تضارب مصالح استراتيجية بينهما، رغم وجود الخلافات.
ليست لروسيا مطامع في كامل الخريطة السورية، لأنها تعرف حجمها، وقوتها، لا سيما في غياب استراتيجية “سوفياتية”، وغياب أي أبعاد مبدئية في انتشارها المحدود في العالم.
وهي حصلت مسبقاً على ثمن تدخلها في سوريا، قاعدتين كبيرتين، قاعدة بحرية في طرطوس، تطل على العالم، وقاعدة برية في حميميم، ترسم مستقبل الروس الأبدي في المنطقة، وعقوداً ومصالحَ طوّبها لها النظام، في محاولته استثمار التدخل الروسي لاستمرار حكمه.
هناك مصلحة روسية، في بناء علاقات قوية مع إسرائيل، باعتبارها اليوم أقوى دولة في الشرق الأوسط، وباعتبارها شريك في رسم مجموعة من السياسات الإقليمية، وباعتبارها صلة الوصل مع المجتمع الغربي.
وفي سياق العلاقات الروسية الإسرائيلية، والتي شهدت خلافات ومناورات في فترات سابقة، تطفو المصالح الاستراتيجية، على خلافات موضعية، وتكتيكية، قد تدفع إيران في ساحة ما بعض الأثمان، دون أن يكون هناك أي تأثير على العلاقة الاستراتيجية الإيرانية الروسية.
تتمدد إيران في تفاصيل القصر الجمهوري السوري، ولها في النظام السوري مساحات ونفوذ، يصبح من الصعوبة بمكان حدوث طلاق مفاجئ بينهما، ويغدو عقد اتفاق سلام سوري إسرائيلي بغياب إيران، أو دون مباركتها أمراً عسيراً.
ولماذا يجب أن توافقَ إسرائيل اليوم على اتفاق سلام مع نظام متهالك، فاقدٍ للثقة وللدور، ومكروه في الساحتين العربية والدولية، بغض النظر عن أنها بالذات تعاني اضطراباً في الحكم، وأزمة متواصلة، تكشفت في ظل انتخابات مبكرة ستحدث للمرة الرابعة في أقل من عامين، وفي ظل حكم رئيس وزراء “نتنياهو” فاسد في المجتمع، لكنه ثعلب في السياسة، وفي طريقة هروبه من المحاكمة، وفي طريقة تصيّد الأصوات الانتخابية، وفي نشر الفوضى في معسكره الانتخابي والسياسي إن اقتضى الأمر، وفي المعسكرات السياسية الإسرائيلية الأخرى. وأي مصلحة سيستفيد منها نتنياهو المأزوم، من الأسد المأزوم، إذا لم تستطع معاهدات السلام الموقعة أخيراً مع دول عربية أخرى، أن تفيده!

لا يمكن أن يُحقَّقَ سلامٌ مع إسرائيل اليوم أهدافاً استراتيجية للنظام، خاصة أن السلام مع دول عربية أخرى، كانت أكثر استقراراً، وأكثر غنًى، لكنه لم يحقق أهدافاً واضحة، ولم يثمر في تحويل تلك الدول أو تحويل شعوبها إلى المساحات المنيرة التي تم إغراء الإعلام بها.
وفي مِنْطَقة موبوءة بالحروب وبالمؤامرات، وبممارسة السياسة وفق مناهج خارجة عن السياسة وعن المعقول، يجب ألَّا نتفاجأ، بحدوث مفاجئة في ساحات السلام أو الحرب أو في مؤامرات السلام أو الحرب.

الكاتب: طالب إبراهيم

قد يعجبك ايضا