اللجنة الدستورية المنقوصة والاجتماعات الزائدة!

وصلتِ الوفودُ المصغّرة إلى جنيف، وَصَلَ وفدُ النظام السوري، ووَصَلَ وفدُ المعارضة وما تبقَّى من المجتمع المدني، ووَصَلَ المندوبون الأمميون في سياق البحث عن معنى لاجتماع اللجنة الدستورية المنقوصة، في زمن التحوّلات السياسية الكبيرة، التي جوهرُها الأساسيُّ هو التغيير الكبير في الإدارة الأمريكية، سيدةِ العالم، بعد انتخابِ الديمقراطيِّ جو بايدن لتولّي الرئاسة.

انتخابُ بايدن، قد يعني تأجيلَ كُلِّ الأعمال “بما فيها المتعلقةِ بسوريا”، وكلِّ الأنشطة “بما فيها الأنشطةُ الأممية ذاتُ الصِّلَة”، والأهمُّ من كُلِّ ذلك هو تأجيلُ ظهور النتائج أيضاً.
لا يستطيع أشدُّ المتفائلينَ اليومَ، أنَّ يُقدِّمَ صورةً تدعو للأمل من اجتماع الدستورية، في جنيف السويسرية، لبحثِ جدول الأعمال التفصيلية، التي تمخضت عنها رحلاتُ غير بيدرسون المكوكية، في دول الإقليم، الذي أكَّد في أكثر من مناسبة، أنَّه لا يوجد أُفُقٌ زمنيٌّ لعمل الدستورية، وكأنَّه يقول لا تتوقعوا شيئاً منها.

يُعاني النظامُ السوريُّ من أزماتٍ مُتلاحقةٍ، وصلتْ في شوارعِ أنصاره ومريديه والمناطقِ التي يسيطر عليها إلى حافَّة البحث عن الخبز، لتغطيةِ شبحِ الجوع القادم، المُتربِّصِ على مسافةِ خُطُواتٍ تالية.
يُعاني من هزائمَ سياسيَّةٍ أدَّتْ إلى غياب أيِّ دورٍ داخلي وإقليمي مُؤثِّر، وهزائمَ عسكريَّةٍ، تُخفِّفُ من وطأتها القبضةُ الروسية. ويُعاني من تغوّل خطابي وإعلامي لجيشٍ مُترهِّلٍ من الخطباء والدعاة والمنظِّرين وال”غوبلزيين”، لا يتماشى مع “تقزّمه” الواقعي. وفي سياق الجولة الجديدة من اجتماعات الدستورية، ستكون الخطوةُ الأكثر أهمية له ولمخاطبيه، هي استخدامُها كمنبرٍ عالمي لتكرار “تغوّله” الإعلامي الزائف.
وتُعاني حليفتُهُ إيرانُ من أَزَمَاتٍ في محيط نفوذِها الإقليميِّ، تُعاني من استهدافٍ مُتواصلٍ لمواقعها ومواقع ميليشياتها، من طائرات مجهولة، أو قد تبدو مجهولةً، لكنَّها تُشيرُ دائما إلى يدٍ اسرائيليَّةٍ قويَّة.
وتُعاني من امتدادٍ داخليٍّ لهذا الاستهداف المتواصل، وَصَلَ مؤخراً إلى مقتل أحدِ أهمِّ علمائِها في مشروعها النووي، بما يُشير حَتْماً إلى الاختراق الكبير لكُلِّ مؤسَّساتها بما فيها الأكثر سرّيّة.
وعلى وقع أوجاعها والتحديات الكبيرة التي تواجهها، تنتظر قدومَ السَّاكنِ الجديد في البيت الأبيض، والذي رُبَّما يُفرِجُ عن مجموعةٍ جديدةٍ من الأزمات المُوجَّهة ضدَّ إيران، وضدَّ مشروعها النووي ومشاريعها في المنطقة.
لا تختلف تركيا- أردوغان اليومَ من ناحية الأزمات التي تواجهها كثيراً. أزمةٌ اقتصادية تظهر في انهيارِ قيمةِ اللَّيرة وفي التضخُّم، وأزمةٌ سياسيَّةٌ تشيرُ إليها الخلافاتُ الكبيرة التي يتحدَّث عنها أعضاءُ البرلمان التركي وأعضاءُ المعارضة، وآخرُ ما يُمكنُ أن يشيرَ إلى أزمتها الداخلية، هو تشظّي المعارضاتِ السوريَّة والميليشياتِ التي تخدمها داخلَ تركيا وخارجَها.
وتبذلُ روسيا جهوداً مضاعفة، من أجل المحافظة على تركيا المأزومة في تحالف المأزومين والذي يضمُّ أيضاً إيرانَ، بالإضافة لكليهما. هذا الثلاثيُّ المأزومُ، يقودُ اليوم عملَ اللَّجْنة الدستورية، وإنْ ظهرَ بين الحين والآخر تصريحٌ للمنسّق الأمميّ بيدرسون حولَ استقلالية اللجنة، إلَّا أنَّه لا يعني ما يقول، ولا يمكن التعويلُ على استنتاجاته.
تنتظرُ إيرانُ المأزومةُ ترسيمَ خطوطٍ عامَّةٍ لقادمِ البيت الأبيض الجديد، في سوريا وفي مناطق نفوذِها الأخرى. وتنتظرُ تركيا باقة الإملاءات الأمريكية القادمة، بعد تصريحاتٍ كبيرةٍ استهدفتْها واستهدفتْ تحالفاتِها وأنشطتَها في المنطقة، أطلقَها الرئيسُ الأمريكيُّ المنتخبُ وطاقمُهُ مِمَّن اختارَهم في فريقِ عملِهِ السياسيِّ والعسكري.
وتنتظرُ روسيا مفاوضاتٍ شاقَّةً مع الأمريكان الجُدُدِ، مفاوضاتٌ قد تجعلُ من اجتماعاتِ الدستورية الآن، مُجرَّدَ فرصةٍ لتقطيعِ الوقت.

الكاتب: طالب إبراهيم

 

قد يعجبك ايضا