العلاقات الروسية التركية…تقارب تكتيكي وعداء تاريخي يمتد إلى الحاضر

مصالحُ وشراكة وتقاربٌ تكتيكي وعداءٌ تاريخي، هي أبرز ملامح العلاقة بين روسيا وتركيا، فما يبدو من توافقٍ بين الجانبين في العديد من الملفات، لا يستطيع تخليص أنقرة من العقدة الروسية القديمة، التي تقول إنّ هزيمة تركيا في ستَّ عشرةَ معركةً مع روسيا كانت السبب في انهيار الإمبراطورية العثمانية.

العلاقات بين روسيا وتركيا التي اتَّسمت بالمدّ والجَزْر، من منطلق إدراك روسيا أن تحقيق مصالحها لن يتم إلا بالقضاء على العثمانيين في منطقتي آسيا الوسطى والبلقان، شهدت شيئاً من الدفء بعد اعتلاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سدّةَ الحكم عام ألفين، ووصول حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب أردوغان إلى السلطة في تركيا عام ألفين واثنين، إذ قرَّر الجانبان نقلَ الغاز الطبيعي الروسي إلى تركيا عام ألفين وثلاثة.

لكن دفء العلاقات بين الجانبين لم يَدُم طويلاً، فسرعان ما تحوَّل إلى برودٍ وشقاق، كاد يصل إلى تصادُمٍ عسكريّ بعد إسقاط جيش النظام التركي قاذفةً روسيّة من طراز سوخوي 24 فوق الأجواء السورية عام ألفين وخمسة عشر، إلا أن تراجع أردوغان عن تهديداته وتقديمه العزاء لموسكو بمقتل الطيارين الروسيين، حالَ دون ذلك.

مرحلة التطبيع والغزل السياسي بين موسكو وأنقرة تُوِّجَت في سوريا مع انطلاق ملهاة الدم السوري عام ألفين وسبعة عشر، المعروفة باجتماعات أستانا في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان، والتي كانت محفل مساوماتٍ ومقايضاتٍ على حساب أشلاء السوريين ووحدة بلادهم.

وبين التهدئة والتصعيد في سوريا، شهدت علاقات موسكو وأنقرة توتراً وعداءً في ليبيا بعد دعم رئيس النظام التركي حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج، ودعم موسكو للجيش الوطني الليبي برئاسة خليفة حفتر شرقي البلاد.

وفي حين لم تقف أنقرة إلى جانب حلف الناتو في فرض عقوباتٍ على موسكو مع بروز الأزمة الأوكرانية وضم روسيا لجزيرة القرم، فإنّ محاولات النظام التركي استغلال ورقة تتار القرم لابتزاز موسكو والحصول على مكاسبَ في القوقاز وليبيا وشرق المتوسط باتت مكشوفةً لدى الكرملين.

ورغم كل ما قدمه بوتين لأردوغان من مشاريعَ تتعلّق بالطاقة وإمدادِ أنقرة بصواريخ إس 400 التي أثارت امتعاض الناتو، لم يُغيِّر ذلك من حسابات النظام التركي ومحاولاته إثارة البلابل ونشر الفوضى داخل بعض الجمهوريات السوفييتية التي تدور في فلك روسيا، كالشيشان وأنقوشيا.

قد يعجبك ايضا