التمسك بالمطالب والبحث عن مكاسب يعرقل مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس

بقدْرِ ما خلفتْهُ حربُ إسرائيل وحماس في قطاع غزة الفلسطيني من قتلٍ ودمارٍ يكتنفُ مفاوضاتِها الغموضُ والتعقيدُ، وسط فجوةٍ مظلمة تعثّرتْ فيها الحلولُ وانعدمَتْ، وتباينَتِ الآراءُ واختلفَتْ، فمنذ انتهاء الهدنة التي عُقِدَتْ بين الطرفين في الرابع والعشرين من نوفمبر ألفين وثلاثة وعشرين، لمدّةٍ لم تتجاوز سبعة أيّام، لم تتوقف آلة الحرب التي اشتعل فتيلُها فلم تكدْ تهدأ عن دك القطاع بوابل نبالها رغم عديد الوساطات الإقليمية والدولية.

عواصمُ عالمية عديدة احتضنت محادثات ومفاوضات بعضها بين الوسطاء، وبعضها بمشاركة ممثلين عن حماس أو إسرائيل، فلم يكن اجتماع باريس، في أواخر شباط/ فبراير الماضي، هو الأول للأطراف الدولية والإقليمية الوسيطة، إذ سبقه اجتماع آخر في باريس نهاية كانون الثاني/ يناير، وضع فيه المشاركون إطاراً للتفاوض، لكن الطرفين المعنيين ضربا بمخرجاته عرض الحائط.

رفض المقترحات المتاحة وتقديم البدائل النظرية كانا السمة البارزة بين طرفي النزاع دون أي أفقٍ منطقي بينهما، فوفد حماس يريد وقف الحرب التي بدأتها الحركة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والإفراج عن أكبر عدد من المعتقلين الفلسطينيين، الذين تضاعفت أعدادهم إبان الهجوم أضعافاً مضاعفة، فضلاً عن عدد القتلى والجرحى، الذي تجاوز مئة ألفٍ بل يزيد، بينما يبحث الوفد الإسرائيلي المقابل عن نصرٍ لم يستطِع تحقيقه بفوهات المدافع وأزيز الرصاص بين سطور المفاوضات، متمسكاً بإطلاق صراح جميع المحتجزين، الذين حصدت أرواح نصف عددهم الطائرات الإسرائيلية، بحسب مراقبين.

وعلى هذا دأب الوسطاء، وتبدّلت محطات المحادثات والتفاوض بين باريس والقاهرة وغيرهما، بينما الطائرات الحربية الإسرائيلية لا تكاد تغادر سماء القطاع حتى تعود إليه لتخط ألون الموت على أجساد الفلسطينيين، الذين أرهقتهم التهديدات المتصاعدة بالهجوم على مدينة رفح التي باتت ملاذهم الأخير، وسط تقارير عن بدء الجيش الإسرائيلي بإخلاء أجزاءٍ من المدينة تمهيداً لاجتياحها.

وفي استمرار جدلية المفاوضات أنهى ممثلون عن إسرائيل وحركة حماس محادثات غير مباشرة عبر وسطاء من مصر والولايات المتحدة وقطر بالعاصمة المصرية القاهرة دون التوصل لنتائج، رغم حديث مصادر مطلعة عن مؤشرات إيجابية في سير المفاوضات التي لم يخط في صحيفتها أي ما من شأنه تقريب الهوة بين الأطراف المفاوضة، وهو ما تناقلته وسائل إعلام عالمية عديدة.

وبينما رأى محللون ومراقبون للشأن الفلسطيني في محادثات القاهرة جدية من قبل الأطراف الوسيطة رغم تمسك كلٍّ من طرفي التفاوض بمطالبهما، قلل آخرون من حجم التعويل على تلك المفاوضات أو غيرها، مشيرين إلى أن الحلول الجذرية لهذه المعضلة تمر عبر حل الدولتين وتفعيل دور السلطة الفلسطينية الحالية واتخاذ مساراتٍ ومساعٍ لحلول جديدة ونبذ كل ما من شأنه تأجيج الصراع الذي لا طائل من استمراره، ودون ذلك فإن هذا الصراع سيستمر ويتفاقم لتتفاقم معه الخسائر والمآسي، وتنعدم فرص متاحة قد لا تتكرر.

قد يعجبك ايضا