أحقاد الماضي وتحريض الحاضر خلف عنصرية الأتراك تجاه الخليجيين

على مدار الأيام الماضية انتشرت، صورة لسائح عربي بزي خليجي تقليدي جالس في منطقة انتظار الطائرات بمطار إسطنبول في تركيا حافي القدمين، بطريقة فايروسية في تركيا. قد يكون شاهدها كل الأتراك وعلقوا عليها باستهزاء.

اتفق الأتراك على أن السبب الوحيد لطريقة جلوس السائح “المهينة لتركيا” هو قيام السياسيين بلي رقبة الأمة التركية لأجل البترودولار. اتفق أتراك على مواقع التواصل على عبارة موجهة إلى السياح الخليجيين “اعلموا هذا الوطن ليس ملككم، وأن المالك الوحيد لهذا الوطن هو الأمة التركية”.

توثق مقاطع فيديو كثيرة عنصرية الأتراك الحادة تجاه العرب وخاصة الخليجيين، تغذي هذه العنصرية غالبا جيوش إلكترونية من الجانبين. وتبرز الشبكات الاجتماعية كمساحات أين يلعب العرق “المتفوق” بطريقة مزعجة لكنها مثيرة للاهتمام.

ونظرًا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تهيمن على المشهد الاجتماعي والسياسي في كل ركن من أركان العالم تقريبًا، فإن الممارسات العنصرية الجديدة تحدث بشكل متزايد على هذه المنصات.

ورغم إصدار وكالة الأناضول التركية الرسمية مئات التقارير التي “تحتفي” بالماضي والمستقبل المشترك للأمتين العربية والتركية بعد “المصالحة” السعودية التركية والزيارات المتبادلة بين زعيمي البلدين فإنه في كل مرة تسقط كل جهود إعادة العلاقات ولو ظاهريا أمام حوادث عنصرية يتعرض لها السياح الخليجيون في تركيا.

العداء للعروبة في تركيا هو انعدام ثقة وخوف وكراهية عامة للعرب أو الثقافة العربية في تركيا. ولا يخفى أن لتركيا تاريخا قويا من مناهضة العروبة يعود إلى الإمبراطورية العثمانية. وتنقسم معاداة العروبة في تركيا إلى مجموعتين رئيسيتين إحداهما لدول الخليج التي تعيش في ثروات.والأخرى للاجئين السوريين.

وإن كان “مفهوما” نوعا ما العنصرية تجاه اللاجئين السوريين الذين تجاوزوا مدة الترحاب، وفق ما يقول الأتراك في بلد يعاني أزمة اقتصادية خانقة فإن العنصرية تجاه السياح العرب الخليجيين على وجه الخصوص الذين يختارون تركيا للسياحة ولصرف مبالغ مالية كبيرة تبدو “غريبة” في وقت تتسابق فيه الدول الأوروبية لاستقطابهم.

يرحب الأتراك مثلا بالمسلمين غير العرب أكثر من العرب القادمين من المملكة العربية السعودية أو غيرها من البلدان الخليجية.

ووفق أتراك فإن قدوم هؤلاء السياح إلى بلادهم ليست له علاقة بالسياحة بل استعمار. يعتبرون أن مثلث حياة عرب الخليج هو “المنزل والمسجد والمول التجاري”، ثم وفق تعبيرهم “ترى السياح العرب من حولك. بأموال النفط، فقط يقومون باستهلاك كل شيء”.

بل يصف الإعلام التركي العرب بـ”قطعان البدو الذين لم يتحضّروا بعد، لم ينتقلوا إلى حياة اجتماعية مستقرة ومنتجة”.

وقد مثلت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى أنقرة في يونيو الماضي ذروة انتشار العنصرية خاصة بعدما استبدل الأمير محمد عبارة “مرحبا عسكر” البروتوكولية بعبارة “السلام عليكم”، رغم محاولات وسائل الإعلام التركية التي تدور في فلك النظام التركي المستميتة إخفاء هذه العنصرية والاحتفال بالنجاح الباهر للزيارة التي “أعادت المياه إلى مجاريها”.

وبالإضافة إلى سيل التغريدات العنصرية على مواقع التواصل ظهرت مقالات في الإعلام التركي تنتقد المملكة “المتعجرفة” التي تفرض قواعدها الخاصة على تركيا.

تجذب العنصرية الانتباه كواحدة من أكثر القضايا حساسية في تركيا، سواء في المنشورات الصادرة على مواقع التواصل الاجتماعي أو في وسائل الإعلام. في مواجهة ذلك، يُلاحظ أنه لا يوجد نظام قانوني يردع العنصرية وخطاب الكراهية تجاه الآخر، بل تُبذل جهود لتطبيع خطاب الكراهية وتصوير الأتراك كجنس أعلى من العرب.

وتظهر مناهج العنصرية بشكل علني في وسائل الإعلام، وفي المحتويات التي يتم إنتاجها في مواقع التواصل أو في الأوساط الأكاديمية، يتم تقديم الثقافات والمجتمعات العربية على أنها هياكل متخلفة عفا عليها الزمن ومناهضة للحداثة.

لطالما صنفت الحوادث العنصرية قبل الأزمة التركية السعودية في إطار “حوادث فردية” وفي الغالب يستثنيها الإعلام في البلدين من تغطياته رغم أن مواقع التواصل تحفل بها وتسلط الضوء عليها.

ثم ما لبث الخطاب العنصري أن أصبح مسيسا في أوج الأزمة السياسية بين البلدين بقيادة رسمية من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي ظهر مهددا “دولا خليجية لم تكن موجودة بالأمس” بقوله “ربما لن تكون في المستقبل القريب.” ووصفت قطر في البرلمان التركي بـ”قرية تابعة لتركيا”. وعدت تصريحات أردوغان حينها “إعلان حرب” أصلا.

توقف أردوغان ومن خلفه السياسيين في بلاده عن نشر العنصرية ضد الخليجيين التي كانت أساسا ركيزة لخطاباته الشعبوية، بل اتهم المعارضة بالوقوف وراء نشرها لأسباب “انتخابية”.

يعرف السياسيون، دائما، متى يجب أن يتوقفوا عن الخطابات العنصرية عندما يريدون تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أما رواد الشبكات الاجتماعية فتجذبهم هذه الخطابات وتصبح مع الوقت طريقتهم في التعبير ونمطا محبذا لدى قسم من وسائل الإعلام، ليصبح البلد عمليا مؤسسة لثقافة أساسها الأحقاد والتحريض.

الكاتبة :لبنى الحرباوي

المصدر : العرب

قد يعجبك ايضا