يقدّمون لها العالم ثم يحرمونها منه.. المرأة في عيدها

في الثامن من آذار مِن كل عامٍ يحتفل العالمُ بواحدةٍ من أكثر القضايا جدليةً، سهلةُ الاستغلال، ولا يمكن لخطابٍ أن يتفاداها لخلقِ أي ضجيجٍ قد يحدث، سلباً أو إيجاباً.

المرأةُ في عيدها، هي بعضُ عباراتِ تشجيعٍ مُستهلَكةٌ وإنصافٌ مشوّه، حقائقُ للاستجرار العاطفي، مكاسبُ على حساب إنجازات سنواتِ نضالِ مَضت، كلامٌ معسول، كلُ عامٍ وأنتِ المجتمع، وسط تصفيقٍ حارٍّ وقد ينتهي الحالُ بوردةٍ حمراء.

إذاً في عيدها يُقدّمون لها العالم، على أنها كافحت بضراوةٍ لتحقيق خرقٍ في عالمٍ قائمٍ بالأساس على كبرياء الذكورة.
هذا ببساطة ما يحدث في هذا اليوم .. فماذا بعد؟
تعود المرأة إلى تصنيفاتها المجتمعية، ولا تتغير النظرةُ الدونية التي تتعرّض لها، رغم انتزاعِها بعضَ الحقوق المنقوصة في ماضٍ ليس ببعيد، فتلك التصنيفات هي موروثاتٌ اجتماعيةٌ قديمة، ما لبثت أن وضعت الرجل والمرأة كَخصمَين، أو كنقيضين لَدودَين.
فما الذي يقدّمه هذا اليوم إن كان التفكير الجمعي لذكور بيئةٍ ما وخلال احتفاليةٍ ما، يحمل ذات الأفكار المُسيئة، والتي تُقلّل من شأن المرأة وتبخس أيَّ إنجازٍ تقوم به؟
أمام هذا التفكير الصامد بوجه كل نداءٍ يُطالب بالاحترام والتقدير والمساواة التي تسمح بها الطبيعة البشرية، تسقط كل محاولات المرأة قديماً وحديثاً في إيجاد مَقعدٍ لها في ادعاءات تحصيل الحقوق، وكأن كلَّ خطابات المجتمعات التي تنادي بمكانة المرأة وحقوقها، هي كتابٌ شيّقُ الغلافِ مُمِلُّ المحتوى.
ولماذا نذهب بعيداً ونختبئ خلف الكلمات، فمنظومة الرجل الشرقي مُزدوجةُ المعايير، أكبرُ مثال فالمرأة بالنسبة له أداة لتحقيقِ الغايات، وإشباعِ نزوات وليالٍ من الأنس، والتي يتباهى بها بين جموع الثقافات وفي خارجِ خارطة الجغرافيا الخاصّة به.

فالمرأة في شرقنا المهزوز وَفق منظومةِ الرجل، نصفُ أو كلُّ المجتمع، لكنَّها في نفس الوقت، إناءٌ فارغٌ بعقلٍ محدود، ووظيفةٍ محدّدة، ثقافةٌ غُرست لسنين، تَشعر بالتهديد إذا حصل أيُّ حدثٍ يُناقض الصورة التي طُبعت في العقول.

وهنا أستذكر بعضَ المواقفِ التي تُشابه ما كنّا شاهدين عليه، وما زلنا، وقد نكون أحياناً أبطالها.

الموقف الأول كان عندما أبدَت إحداهنَّ رأيها بخصوص موضوعٍ ما، فما كان من الحضور المُنصِتِ بكلِّ احترامٍ إلا أن يضحك على ثقافةٍ اعتبرها ضَحلةً دون أن يقومَ بتوجيهها، أو فهم لماذا حلّلتِ الموضوعَ بطريقةٍ أثارت ضَحِكاتٍ مكبوتةً وجدت مخرجاً في رأي إحداهُن.

الموقف الثاني:” حدا بيرد على مرا، حدا بيسمع لمرا” إنها ثقافةُ الاستهجان التي توجَّه نحو المرأة في كل مرةٍ تحاول أن تهرب من الإطار المحاطة به، إمّا لتثبت فقط أنها موجودة ولرأيها تأثير، أو حتى عندما تكونُ في مركز صناعةِ القرار.
وليس بغريبٍ أن تكونَ هذه الثقافة من الطرفين” الرجل والمرا “!!!

الموقف الثالث: كيف تحاول إهانة امرأة؟
إذا باءَت جميعُ محاولات إهانة عقل المرأة بالفشل، فما أسهل من الطعن في أنوثة المرأة وتشبيهها بالرجال.
كيف تحاول إهانة الرجل والمرأة على حدٍّ سَواء؟
استخدم المرأة وجسدها في الإهانة، فشرقُنا المُعقّد، حامي المرأة وكرامتها، غنيٌّ وخصبٌ بما يُعرَف بـ “المسبات”.

الموقف الرابع: عن شعورِ ذكوريٍ هربت من أمامه كلماتُ المديح ووصلت إلى إحداهن، عليكم أن تتخيلوا فُرص الاستهزاء ومحاولاتِ الاستفزاز.

هذا الموقف ليس مُضخّماً وليس درامياً، بل هو مشكلةٌ حقيقيةٌ تواجهها المرأةُ في قطاعات العمل المختلفة، يكمن في صعوبةِ قبولِ وتقبّلِ أن تكون الأفضل، أو من الأفضل، أن تكونَ صانعةُ قرارٍ رياديةٌ وقائدة، وأن تتفوّق على جموع الذكور، فتبدأ التبريرات وجهودُ البحث عن قُصاصة الحقيقة المفقودة، التي قد تنسحب على عدّة عواملَ مُختَرعَة، إمّا المظهر العام الخارجي الذي تبدو عليه المرأة، أو قد يصل الاكتشاف العظيم إلى حدِّ القدح بالأعراض.

وكما قُلتُ في البداية، شرقٌ مُزدوجٌ من القيم والنوايا، فنجاح المرأة في ذات قطاع العمل، يدفع لاهتزاز صورة الرجل أمام نفسه، يشعر بالتهديد وعدم الاستحقاق، وقد تكون النشأةُ الاجتماعيةُ الأولى للحالةِ المصدومة من عدالة الحياة سبباً في الانقيادِ نحو شعورِ عدم الاستحقاق وعُقدةِ النَقص.

وفي الحقيقة فإنَّ النظرةَ العدائية، نظرةَ الرجل للمرأة ونظرةَ المرأة للرجل، لم تَكن باختيارهما.
فهي موروثاتٌ اجتماعية عزّزتها أحكامٌ فقهيةٌ مُتداولة، مُجتزأةٌ أو مُبتدعةٌ حول مكانة كلٍّ منهما، وظيفةً وقيمةً.

وحالةُ غيرةِ الرجل من المرأة في العمل، ولِقول الحق، قد تختلف أو تنعدمُ من مكان لآخر، اعتماداً على النشأة الأولى للرجل والخلفيةِ الثقافية والتربوية، ومفاهيمَ فقهية.

وفي المقابل قد تكون غيرةُ الرجل من المرأة تختلفُ بمدى قُربِ المرأة من حياته، فقد يُصفّق فرحاً لنجاح زميلته، ولكن أن تكونَ زوجتُه أفضلَ منه مكانةً في العمل، أو حتى علميّاً، يُعيد ذلك المرأةَ لسيرتها الأولى المتداولة ” المرا بتضل مرا”.

وهنا فإننا بحاجةٍ لإعادة النظر في أحكامِنا المُطلَقة تجاه قدرات بعضنا البعض، رجالاً أو نساء، والضعفُ الكامنُ في مكانٍ ما لا يعني الهوانَ في كل الأحيان، وإن الثقة في بعضنا البعض تمنح أدوارنا في الحياة الحيويةَ والتقدم، وإن الخصومة لن تبنيَ مُجتمعاتٍ سويةً ولن تمنح حقوقاً، ولن يكون هناك أيُّ جوائزَ في نهاية المطاف.

وعليه فإن تأطيرُ المرأة في المواقف السابقة قد يبدو عادياً وطبيعياً في سياقات الحياة وتجاذُبات البشر، لكنَّها جزءٌ من صورةٍ لم تغيّرها كلُّ شعارات الدعم المُقدّمَةُ للمرأة في عيدها، عندما يكون كلُّ العالَم بين يديها من ثم يحرمونها منه.

الكاتبة: ليلاف قجو

قد يعجبك ايضا