في بلدٍ أرهقته الحرب منذ أكثرَ من عقدٍ من الزمن، وقعت سوريا في دائرة أطماع عدة دول، ولا سيما تركيا وإيران، واللتين تجريان بشكلٍ ممنهجٍ عمليات تبديلٍ لملامح المنطقة، وهويتها الديمغرافية والسياسية، وسط صمتِ الحكومة السورية.
فإيران لم تتوانَ منذ انخراطها في الأزمة السورية، عن عمليات التغيير الديمغرافي في عدة مدنٍ وقرًى وبلدات، كتدمر والقصير الواقعة بريف حمص ومحيط مدن حلب ودمشق ودير الزور، وغيرها من المناطق الواقعة تحت نفوذ الفصائل التابعة لها.
مصادرُ تحدثت أن مدينة تدمر التي تعرضت لضربةٍ إسرائيلية كبيرة، الأسبوع الماضي، كان يبلغ عددُ سكانها في عام ألفين وأحد عشر، نحو مئةٍ وعشرة آلاف نسمة، أما الآن فلم يتبقَّ منهم سوى بعض العائلات، بينما الفئة الأكبر التي تعيش فيها، هي من الفصائل التابعة لإيران وعوائلهم والقادة.
حال مدينة القصير المجاورة لها ليس مختلِفاً، وتعتبر المدينة معقلاً أساسياً لإيران وفصائلها، إذ سيطر عليها “حزب الله” اللبناني في عام ألفين وثلاثة عشر، ولم يسمح لسكانها بالعودة حتى الآن، في حين تؤكد مصادرُ بأن العائقَ الأساس أمام عودة أبناء القصير، ليس أمنياً بل ديمغرافياً، يتمثل بمشروع تغييريٍّ تقودُه إيران التي تستقدم مجموعاتٍ شيعيةً للسكن في المدينة.
وفي دير الزور الشرقي شرقي سوريا، بدأت الفصائل التابعة لإيران إلى جانب شراء العقارات، بتشييد أبنيةٍ إما عسكريةٍ أو لمنظماتٍ تمارس نشاطاتٍ مشبوهة، وافتتاح مراكزَ ثقافية، وتجبر طلاب المدارس والجامعات على المشاركة في فعالياتها، ضمن مخططٍ ممنهجٍ لتغيير ديمغرافية المنطقة.
الباحث في جامعة ماريلاند، المتابع لنشاطات وكلاء إيران في منطقة الشرق الأوسط، فيليب سميث، يرى أن التغيير الديمغرافي الذي عملت عليه إيران في سوريا، كان عمليةً بطيئةَ الحركة، ومقتصرةً حاليًا على بعض المناطق الاستراتيجية الرئيسية”، مشيراً أن سوريا تشكل حالةً خاصةً تستند إلى تجاربَ سابقةٍ شوهدت في لبنان والعراق، لكنها تختلفُ من ناحية “التخطيط والتنفيذ الاستراتيجي إلى حدٍّ كبير.
من جهتها ترى الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتي، أن الرئيس السوري بشار الأسد، وفّر لإيران مساحةً كافيةً للعمل داخل المجتمع السوري، بمختلِف أطيافه وطوائفه، وقدّم لهم تسهيلاتٍ كبيرةً في هذا المجال، من خلال الحفاظ على الوضع الأمني المنفلت في بعض المناطق، ومن خلال الفساد المالي الذي أدى إلى واقعٍ اقتصاديٍّ بائسٍ في سوريا.