لقرونٍ عديدة شكّلت وحدة المصير بين مكونات مناطق شمال وشرق سوريا، صمام الأمان في وجه محاولات إثارة الفتن وبث الفرقة وزرع الشقاق بين أبناء الوطن الواحد، وما يزال هذا المصير المشترك سداً منيعاً في وجه أي مخططاتٍ جديدة لزعزعة التماسك المجتمعي والاستقرار المتحقق في تلك المناطق.
فالعرب والكرد والسريان إلى جانب المكونات الأخرى، خاضوا جنباً إلى جنب معارك ضارية ضد الاحتلال العثماني ثم الفرنسي، وتمكنوا على غرار المناطق السورية الأخرى بإرادتهم الموحدة، مستغلين الظروف الإقليمية والدولية من طرد المحتلين، رغم المجازر والجرائم الشنيعة التي ارتكبت بحقهم.
هذا التلاحم المصيري لم تفلح معه محاولات السلطات المتعاقبة، شق صفوف المكونات المتعايشة وشرذمة أصواتها، وإثارة النعرات والنزاعات فيما بينها للسيطرة عليها، بدءاً بمحاولات طمس هوية بعض المكونات كالكرد في مقابل تعويم ثقافة المكون الأكثر عدداً، وليس انتهاء بتهجير عشرات الآلاف وحرمانهم من حقوق المواطنة، وانتزاع أراضيهم لتوطين مهجرين من مناطق أخرى مكانهم، من خلال قانون الإحصاء الاستثنائي وما يعرف بمشروع الحزام العربي.
محاولات تمكنت تلك المكونات من وأدها آنذاك، إيماناً بروح التعايش السلمي فيما بينها، وأعادت التأكيد على صلابة إرادتها عندما حاولت الفصائل التابعة لجهات إقليمية مع تنظيمات إرهابية تهديد استقرار المنطقة وضرب أمنها، فوقف أبناء هذه المكونات صفاً واحداً في وجه أولئك الإرهابيين ومشغليهم، وتمكنوا من طردهم وتشكيل قوات محلية من كافة المكونات لحماية مناطقهم، فكان تشكيل وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة رمزاً لتنوعهم وتكاتفهم.
تكاتف أثبت بعد تشكيل قوات سوريا الديمقراطية، أنه صمام الأمان للحفاظ على التعايش التاريخي في هذه المنطقة، حيث تمكن مقاتلو قسد العرب والكرد والسريان مع كل المكونات الأخرى، من القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، وطرده من جميع مناطق شمال وشرق سوريا، التي امتزجت فيها دماء بنات وأبناء كل المكونات، من كوباني إلى الحسكة والطبقة والرقة ومنبج ودير الزور، بمعارك سالت فيها أرواح أكثر من أحد عشر ألف شخص، ثمناً لحرية تلك المناطق وخلاص أهلها من ظلام الإرهاب، ومخططات القتل والدمار والتهجير.
ومرة أخرى اختلطت دماء مقاتلي قسد كرداً وعرباً مع غيرهم من أبناء مناطق شمال وشرق سوريا، للحيلولة دون زعزعة استقرار مناطقهم، ومنع عودة الإرهاب بمسميات دخيلة صاغتها أطراف محلية وإقليمية، ربما تختلف توجهاتها، لكنها تتفق في كل مرة على ضرب أمن سكان المنطقة وهذه المرة في محافظة دير الزور، التي ارتفعت فيها راية النصر على داعش، بتضحيات قسد ودماء مقاتلاتها ومقاتليها من المكونات كافة، الذين تعهد رُفَقاء دربهم بكتابة صفحات نصرٍ جديدة في كتاب تضحياتهم.