وباء العنف لا وطن له … معاً للقضاء على العنف ضد المرأة
أكثر الأخبار والتقارير التي تحتلُّ العناوين الرئيسية في الصحف الشرق أوسطية والعالمية اليومية، ووكالات الأخبار المحلية والدولية، التي تخصُّ المرأة وقضاياها، هي أخبار متعلقة بالعنف الممنهج والممارس ضدّها في كافة فضاءات الحياة العامة. وأصبحت كافة الأخبار التي تعدّ في غرف الإعداد والتحرير، تتمحور حول جرائم قتل النساء أو الاعتداء الجنسي أو العنف الاقتصادي أو العنف اللفظي إلى العنف الإلكتروني، الذي بات يفتك بالمجتمع ويهدد النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي والأخلاقي ويؤذي هويته الأصلية بشكل مباشر.
تتنوع الأخبار التي تتناول العنف الممارس بحقِّ المرأة بشكلٍ مستمر على الصعيد العالمي، تحت عناوين عريضة وتفصيلية مختلفة، جميعها تكشف لنا حجم العنف وكمية الحقد القائم ضدَّ المرأة في المجتمع والذهنية الذكورية التي ترى في قتل النساء استمراراً لهيمنتها وسلطتها على المجتمع برمته والنيل من نضالها التاريخي والعريق والتي ضحت به العديد من النساء بحياتهن من أجله.
وفي ظلِّ التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم، ووسط الأنقاض التي وقعت على رؤوس سكان المنطقة، حين تتوقف عند حال المرأة تجدها في وضع كارثي قانونياً وثقافياً وقيمياً، لا حول ولا قوة لها. وباتت في وضعٍ يرثى له، نتيجة حروب طاحنة خلقتها العقلية الذكورية ورجال السلطة. الحرب المستعرة. دمرت حياة النساء وشردتهن عن أرضهن وجردتهن من حقوقهن وكرامتهن. فالمرأة تتعرض يومياً لأبشع انتهاكات حقوق الإنسان، وتواجه تحدياتٍ اقتصادية صعبة للغاية، نتيجة عدم توفير الأمن والاستقرار في حياتها وعدم توفير مساحة أمنة لها للعيش بحرية وكرامة، لذا تزداد جرائم قتلها واغتصابها والاعتداء عليها وبالتالي الانتقام منها.
الحرب التي تنهش حياة النساء تفاقم من حجم المعاناة والكوارث الإنسانية لديها وتنتهك كافة حقوقها، خاصة مع انتشار التنظيمات الإرهابية والجماعات المرتبطة بها في العديد من المناطق من حولنا، والتي تتخذ من نهج ضرب النساء واستغلالهن واستخدامهن أهدافاً لها سواء على الصعيد الاجتماعي أو النفسي، فيتصاعد العنف والإرهاب بحقها أكثر فأكثر. وبالتالي تصبح سبباً رئيساً في تدمير حياتها بشكلٍ كامل من النواحي كافة.
يومياً تصدر تقارير أممية وحقوقية حول الإحصاءات المتعلقة بالمخاطر التي تتعرض لها النساء في منطقة الشرق الأوسط. فقد كشف صندوق الأمم المتحدة للسكان الشهر الماضي في تقرير له، عن حجم العنف الممارس ضد المرأة في لبنان، وقال: العنف في لبنان أثّر على أكثر من نصف مليون امرأة وفتاة خلال أسبوع فقط، وأعرب عن قلقه البالغ إزاء سلامة ورفاه خمسمئة وعشرين ألف امرأة وفتاة، تأثرن بتصاعد حدة الصراع في لبنان منذ السابع والعشرين من أيلول المنصرم، من بينهن أكثر من إحدى عشر ألف امرأة حامل، بحاجة ماسّة إلى الرعاية الصحية وخدمات أساسية أخرى.
أما في قطاع غزة فقد تعرضت النساء لكافة أشكال العنف الناتج عن التصعيد المستمر بين حماس وإسرائيل، فقد حذرت تقارير أممية الشهر المنصرم من أن سبعة عشر ألف امرأة حامل على حافة المجاعة، وأكدت على ارتفاع مخاطر الإجهاض والوفيات أثناء الولادة. لأن الظروف المزرية التي تواجه النساء والفتيات، بما في ذلك المصاعب التي تواجهها النساء الحوامل والسكان بشكل عام كبيرة للغاية، بالإضافة إلى اكتظاظ الملاجئ ونقص النظافة، تفاقم محنة النساء في غزة، حيث تفتقر ما تقرب من سبعمئة ألف امرأة وفتاة للمنتجات الصحية للتعامل مع الدورة الشهرية.
أما في السودان فوضع النساء كارثي أكثر من لبنان وغزة، لأن الحرب في السودان، كما هو معروف سميت بالحرب المنسية، في إشارة إلى أن العالم نسي هذا الصراع الدامي وغضّ الطرف عنه، الأمر الذي أثّر عشرات الأضعاف على حياة النساء هناك، وبهذا الخصوص قالت هيئة الأمم المتحدة للمرأة قبل شهرين من الآن، إن الصراع في السودان والأزمة الإنسانية الناتجة عنه كان لهما تأثير كارثي، خاصّة على النساء والفتيات، حيث يواجهن الجوع والنزوح ونقصاً في الخدمات والإمدادات الأساسية، فيما تضاعف العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وأكدت المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية ليلى بكر، أن النساء السودانيات يواجهن خطر العنف الجنسي والنزوح ويحتجن دعم المجتمع الدولي، وأعربت عن قلقها البالغ إزاء الأوضاع المأساوية التي تواجه النساء والفتيات السودانيات، في خضم الصراع المستمر وتداعياته الإنسانية الكارثية. وكلّ هذه الإحصاءات والمستجدات المتعلقة بالمرأة كانت عناوين الأخبار والصحف يومياً، طبعاً دون أن يُحرك أحدٌ ساكناً لحلِّ القضايا المتعلقة بالمرأة وخاصة العنف الممنهج بحقّها وكأن المرأة وحدها مسؤولة عن تحقيق الحرية وتحرير المجتمع من القيود الذكورية.
وفي تطورٍ لافت وخطير فقد فرضت الحكومة الليبية ذات الطابع الأبوي السلطوي الحجاب القسري على النساء في الأماكن العامة، إلى جانب العديد من الإجراءات القمعية بذريعة حماية “قيم المجتمع” وكأن حماية قيم المجتمع يمر من قمع النساء واستهداف حريتهن وإلزامهن منازلهن وعدم الخروج منها، نعم أصبح شعر النساء يشكل خطراً كبيراً على أمنهم وسلامتهم ومعتقداتهم وأكبالهم وتشريعاتهم المجحفة وأفكارهم المتحجرة. ويتضمن هذا القانون فرض اللباس الشرعي على النساء ومنع قصات الشعر غير المناسبة للشباب، ومنع الاختلاط في الأماكن العامة. فقد أصبحت ظاهرة الحجاب القسري عدوى تنتشر كالجائحة بين المجتمعات العربية في الآونة الأخيرة. ويُعتبر هذا الإجراء خطوة نحو تقييد الحريّات، خاصة بعد أن هدّد وزير الداخلية جميع النساء بالاعتقالات والحبس المباشر لكلِّ من يخالف هذا الإجراء الإجباري.
بالنسبة لأوضاع النساء في أفغانستان الوضع لم يَعُد يُطاق أبداً، في ظلِّ الوضع القمعي المتزايد. وما يحدث هناك من انتهاكات وجرائم بحقهن فهن يتعرضن لعنفٍ على يد أبشع الأنظمة القمعية في التاريخ الحديث حيث بات التمييز القائم على النوع الاجتماعي أمراً طبيعياً هناك. كما يتمُّ إرغام النساء على ارتداء خيم وكأنهن أشبه بعار، ويُمنعن من الحياة ومن التعليم والسفر والخروج للعمل وربما يتمُّ منعهن من التنفس. كلُّ هذا ونحن في عام 2024 وما زالوا يحاولون، بالقانون، سلب الفتيات حقهن في الحياة واغتيال إنسانيتهن.
أما في إيران فيتمّ قتل النساء إذا امتنعن عن تغطية شعورهن، ويتمُّ الاعتداء عليهن في الأماكن العامة بشكلٍ مريع، والتضييق على الحقوق والحريات على المرأة بشكلٍ جائر وتدهور كبير في حقوق الإنسان، كلها نابعة من ذهنية ذكورية يعود تاريخها إلى سنوات طويلة رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها المرأة في وجه هذه السياسات والإجراءات الرجعية العنصرية غير الديمقراطية والتي لا تليق بمستوى التطور الفكري والعلمي الذي وصل إليه العالم من النواحي كافة في الوقت الحالي.
أوضاع النساء في العراق ليست مختلفة كثيراً عما تعيشه النساء في الدول الأخرى، خاصة بعد طرح مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية في البلاد من قبل كتلة برلمانية، والذي حصل على دعمٍ من الإطار التنسيقي في البرلمان، الأمر الذي زاد من مخاوفَ حقيقية بين صفوف النساء وكافة فئات المجتمع العراقي، لما له من تداعياتٍ كبيرة على مستقبل الأجيال القادمة وخاصة الفتيات. حيث ينصُّ القانون المعمول به حالياً على أن للأم حقُّ حضانة الطفل في حالة الزواج وبعد التفرقة، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، في حين أن التعديل، يسلب الأم حقّ حضانة الطفل في حالة زواجها، وللطفل حق الاختيار عند بلوغ الخامسة عشرة من العمر في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه إذا آنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار، بينما التعديل الجديد على القانون هو تخييره بعمر سبع سنوات فقط، وبات يشكل أكبر تهديد للمجتمع.
بطبيعة الحال المرأة السورية كغيرها من النساء الأخريات اللواتي يتعرضن لكافة أنواع العنف والذي يوماً بعد آخر تتغير أشكاله نتيجة التطورات السياسية والعسكرية والاجتماعية التي يشهدها بلدها، على وجه الخصوص النساء اللاجئات والنازحات والمهاجرات. حيث أن المرأة في المناطق المحتلة أسيرة ورهينة لجرائم الفصائل الإرهابية التابعة للدولة التركية وتتعرض لجرائم وحشية يومياً، وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة.
على الطرف الأخر من البلاد نظمت المرأة حياتها وفق نظامٍ جديد ذو مبادئ ديمقراطية يستند إلى أسسٍ راسخة بنضالها وتنظيمها الخاص، إلا أنها أيضاً تتعرض لصعوباتٍ ومشقاتٍ كبيرة نتيجة هجمات داعش التي تعززها هجمات الاحتلال التركي واستهدافاته المستمرة بهدف ضرب الأمن والاستقرار ونظام الإدارة الذاتية الديمقراطية، المشروع الذي يستطيع جميع السوريين والمرأة أيضاً من خلاله الخروج بالبلاد من كافة أزماتها الحالية الخانقة.
ذكرنا وسردنا العديد من الأمثلة عن الصعوبات والتحديات التي تعترض طريق المرأة وتعرقل مسيرة حياتها، في ظلِّ تفاقم القمع الممنهج في العالم الحالي. كما أننا تطرقنا لمعاناة النساء في العديد من الدول التي تشهد الحروب وحالة عدم الاستقرار وعمليات الاعتداء الجنسي التي يتعرضن لها. إلى جانب كلِّ هذه المشقّات والمشاكل التي تواجه المرأة، إلا أن نضال المرأة من أجل القضاء على العنف مستمر وبوتيرة عالية وبكافة الطرق والأساليب التي من شأنها أن تساهم في الحدِّ من جرائم قتلها المتعمّد والنيل من كلِّ المكتسبات التي حققتها بنضالها عبر التاريخ، في وجه حملات تشويه وتحقيقات تهدف إلى إسكاتها والوقوف في طريقها. وتطوير وتكثيف جهودها المشترك في وجه آفة العنف التي يجب القضاء عليها وتحرير المرأة من أثارها الجانبية والسلبية، وذلك من خلال تصعيد المقاومة والتنظيم والإرادة والعمل المستمر والمتواصل في كافة أصقاع العالم، وهي مهمة جميع النساء المناضلات والمطالبات بالحرية والإنسانية والعدالة. وكما قالت الشاعرة الأمريكية الشهيرة مايا أنجلو:”شاقةٌ هي المهمة.. عندما يولد الإنسان امرأة” لكن عندما تكون المرأة منظمة تستطيع فعل المستحيل من أجل الوصول إلى أهدافها في الحياة الحرة والكريمة وتصبح المهمة أسهل بالنسبة لها وبالتالي تقل أعداد أخبار جرائم قتل المرأة وتُكتب أخبار إنجازاتها ومكتسباتها بشكل أكبر.
الكاتبة : هيفيدار خالد