نور الدين ظاظا… سيرة مؤسس أول حزب كردي في سوريا

ما إن تُذكر كلمةُ ناشط كردي سوري حتى ترافقها مصطلحات الملاحقة والسجن والتعذيب، تلك معادلةٌ اعتادها الشعب السوري عامةً والكردي بشكلٍ خاص، في ظل الأنظمة المتعاقبة منذ استقلال البلاد عام 1946وحتى اندلاع الحَراك الشعبي في سوريا عام 2011، إلا في بعض الفترات التي لا تكاد تُذكر.

نور الدين ظاظا أحد تلك الأسماء التي لوحقت وتعرضت للاضطهاد والتعذيب والسجن والنفي، خاصةً أثناء حكم جمال عبد الناصر لسوريا ومصر، بسبب نشاطه السياسي، فهو أحد مؤسسي أول حزبٍ كردي في سوريا، وأول رئيسٍ له، في خطوةٍ تعتبر في تلك الفترة نوعيةً في تاريخ الحركة الحزبية الكردية.

ولد نور الدين ظاظا عام 1919عند منابع نهر دجلة، بين مدينتي ديار بكر وألعزيز بشمال كردستان، في قرية “معدني” والتي تضرب بجذورها إلى الإمبراطوريات الحثية والآشورية والميدية، من عائلةٍ عريقة، فهو من أحفاد زعيم قبيلة شاديان، الذي كان يطلق عليه لقب “الأفندي” ذاك اللقب الذي كان حِكراً على العلماء والأمراء، في دلالةٍ على مكانته بين القبيلة.

دخل نورالدين المدرسة في قريته “معدني” وأنهى تعليمه الابتدائي فيها، أما المرحلة المتوسطة فدرسها في ديار بكر، بعد أن سافر إليها رفقةَ أخيه، ثم انتقل إلى حلب وبعدها استقرّ فترةً في دمشق، ثم انتقل إلى بيروت لإتمام دراسته الجامعة وبعدها سافر إلى سويسرا لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم التربوية عام 1956.

الويلات التي كان يتعرض لها أبناء جلدته من الكرد تركت أثراً عميقاً في نفسه، فترأس – حين كان طالباً في الثانوية الفرنسية بدمشق – وفداً من طلبة الكرد وقدم مذكراتٍ للسفارات الأجنبية فيها، احتجاجاً على ما كان يتعرض له الكرد من الأتراك وخاصةً في ديرسم.

استمر في نشاطه السياسي، وفي عام 1937 أسس جمعيةً أسماها “هيفي” التي كان لها دورٌ بارزٌ في إيقاظ الشعور القومي لدى الكرد. يقول متحدثاً عن تلك الفترة :” لدى الإعلان عن بدء الحرب العالمية الثانية حرصت أن أعيش بين الكرد محاولاً تثقيفهم وتنظيمهم لاستقبال اليوم الذي يتغير فيه الوضع في منطقة الشرق الأوسط، حيث كان من الواضح أن خارطة الشرق الأوسط التي كانت مرتبطةً بسلسلةٍ متواليةٍ من الظروف والتسويات الطارئة بعد الحرب العالمية الأولى ستتغير، كانت الظروف قد تكشفت وفُجِع بها الكرد الذين ضحوا بأنفسهم لصالح الشعوب الأخرى في المنطقة على مذبح المصالح العُليا للدول العظمى، ولكن ما يهمنا هذه المرة هو ألا ندع أنفسنا نتعرض للمباغتة ونغتنم الفرصة لنفرض حقوقنا الأكثر شرعية.

انتبه الأتراك لتنامي الحس القومي لدى الكرد بفعل عددٍ من المثقفين في تلك الفترة، فطلبوا من سلطة الانتداب الفرنسي إيقافَ النشاطات التي تساهم في ذلك، فاستجابت فرنسا وأوقفت جميع الجمعيات والروابط والنشاطات.

وبعد صعود التيار القومي الكردي في إقليم كردستان حاول نور الدين في عام1944دخولَ العراق سراً، ولكن السلطات العراقية قبضت عليه وقضى سنةً في السجون العراقية في الموصل وبغداد، تعرض خلالها لكافة أنواع التعذيب.

 

وبعد اثني عشر شهراً سلّم الأمن العراقي نورالدين إلى السلطات السورية في نقطة الحدود بتل كوجر، وبعد فترةٍ سجّل نورالدين في معهد العلوم السياسية والاقتصادية في الجامعة الفرنسية ببيروت، وعمل هناك في إذاعة بيروت بقسم البرامج الكردية خلفاً لكاميران بدرخان.

ولإدراكه أهميةَ اللغة الأم في تنمية الشعور القومي افتتح نور الدين في عام 1946 مدرسةً لتعليم اللغة الكردية، استمر في العمل بها حتى عام 1947 حيث اضطر للسفر إلى سويسرا للتحضير لرسالة الدكتوراه في العلوم السياسية والتربوية.

لم تمنعه دراسته من إتمام نشاطه السياسي، حيث ساهم في التعريف بقضية شعبه وإطلاع الرأي العام السويسري على حقوقهم المسلوبة عن طريق إلقاء المحاضرات والكتابة في الصحافة والتحدث للإذاعات، وتعدى نشاطه إلى تشيكوسلوفاكيا إلا أنه لم يلقَ آذاناً صاغيةً فيها.

كُلّف من قبل الكرد في المهجر بتسليم مذكرةٍ إلى أعضاء الأمم المتحدة وشرح القضية لهم، ولكنه عاد خالي الوِفاض، وفي عام 1949 أسس نورالدين رابطةَ الطلاب الكرد في أوروبا، وقرروا إصدار صحيفة باسم (صوت كردستان) باللغات الثلاث الكردية والإنكليزية والفرنسية.

وبعد حصوله على شهادة الدكتوراه عاد إلى سوريا وعمل مع رفاقه على تأسيس أول حزبٍ كردي عام 1957، وفي فترةٍ قصيرةٍ انتسب الآلاف من الكرد إلى صفوف الحزب الذي تزامن تأسيسُهُ مع قيام الوحدة بين كلٍّ من سوريا ومصر.

قوبلت سياسات سلطات الوحدة الداعية إلى صهر جميع القوميات في بوتقة القومية العربية بالرفض من نور الدين وحزبه، الذي تعرّض برفقة جمعٍ كبيرٍ يصل إلى أكثرَ من خمسة آلاف شخص للاعتقال في الفترة الممتدة من الخامس إلى الثاني عشر من آب من عام 1960.

وبعد اعتقاله قُدّم للمحاكمة أمام المحكمة العسكرية العليا بدمشق، فقدّم مذكرة دفاعٍ طويلةٍ وجريئة، وبيّن فيها مشروعية القضية الكردية في سوريا، وأنواع المظالم التي تعرّض ويتعرّض لها الشعب الكردي من قبل الحكومات التي تعاقبت على سدّة الحكم، بقي في المُعتقل قرابة سنةٍ ونصف، إلى أن أُطلق سراحه في الثاني من شباط فبراير من عام 1962.

كما تم اعتقاله في لبنان من قبل الاستخبارات اللبنانية في عام ١٩٦٦، والتي سلّمته إلى الحكومة السورية، فقامت الأخيرة بإصدار قرارٍ يقضي بنفيه إلى الأردن، لكن قبل توجّهه إلى الأردن قامت الاستخبارات السورية باعتقاله في مطار دمشق، وأرسلته إلى محافظة السويداء حيث وضع تحت الإقامة الجبرية.

نتيجة الخلافات السياسية بين نورالدين ورفاقه فضّل الانسحاب من حزبه، وسافر إلى أوربا، وبعد حياةٍ حافلةٍ ومليئةٍ بالنشاطات والمعاناة والتهجير والاعتقال والتأليف والترجمة، توفي الدكتور نورالدين في السابع من تشرين الأول أكتوبر من عام 1988 في سويسرا، بعيداً عن وطنه.