نماذج الحل الحقيقي للشعوب في الشرق الأوسط الجديد
تشهد منطقة الشرق الأوسط التي تحولت إلى بؤرة للمشاكل العقيمة في العالم، نتيجة سياسات قوى الحداثة الرأسمالية في وجه نضال القوى الديمقراطية المتمثلة بالشبيبة والمرأة والأوساط البيئية والحقوقية والنقابات العمالية والمؤسسات الثقافية والفنية، تشهد حالة من الحرب والصراع الدائم، في الميدانين السياسي والعسكري بالمرتبة الأولى، حيث يتم بشكل يومي في هذه البقعة الجغرافية متعددة الأعراق والأديان، سفك الدماء عبر تغذية الصراعات الدينية والطائفية والعشائرية والقتل على أساس الهوية، ولأسباب ربما أصغر من رأس الدبوس.
نعم ما يجري اليوم في منطقة الشرق الأوسط، بات ملفتاً للانتباه، لذا يقتضي الأمر التطرّق إلى المجريات الحاصلة فيها نظراً لتأثيرها الكبير على كافة أنحاء العالم. بدءاً من سوريا التي تمر بمرحلة تاريخية حساسة بعد سقوط النظام السوري، إلى الأوضاع غير المستقرة في العراق، إلى إيران التي تحاول تعويض الخسارة التي منيت بها سياسياً وعسكرياً وجغرافياً في سوريا إلى الأوضاع في غزة التي يعيش سكانها حالة ترقب وحذر وقلق بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجيرهم من أرضهم إلى الأردن ومصر، بحجة أن غزة لم تعد مناسبة للعيش وأن إعادة إعمارها سيستغرق سنوات طوال، وبذلك يريد اقتلاع الفلسطينيين من جذروهم وتغيير ديمغرافية غزة… إلى القضية الكردية التي أصبحت في قلب هذا الصراع.
على الرغم من أن شعوب المنطقة لا تستطيع أن تعيش تحت سياسات العنف بطابعِ الإسلام الراديكالي، والتي أصبحت بمثابة موضة دارجة في الشرق الأوسط الراهن، إلا أنها موجودة في بعض دول المنطقة، تئن تحت حكمها وتحاول الخروج من تحت عباءة الهيمنة التي تتخذ من الدين الإسلامي قناعاً لها وتبث الفوضى والعشوائية والترهيب وتضرب النسيج الاجتماعي وتفرض نمط حياة خطرة على الجميع. لتبعث رسائل التخويف المتعمدة والإرهاب والتهديد. إلا أنه لا يمكن أن يسود الأمن والاستقرار في المنطقة وفقاً لهذه السياسة.
الولايات المتحدة التي تعتبر نفسها القوة المهيمنة على العالم وترى نفسها مخوّلة لمعالجة مشكلات العالم على أهوائها، تتخذ من منطقة الشرق الأوسط ساحة حرب إستراتيجية؛ نظراً لكونها منطقة مهمة من ناحية حماية مصالحها، وعلى رأسها حماية إسرائيل وتأمين أمنها من تدخلات وهجمات دول الجوار، فأمريكا قوةٌ عالميةٌ مهيمنة تتحكم اليوم بكل شيء في المنطقة، بدءاً من المصالح الاقتصادية إلى السياسية والعسكرية والأمنية. لها شبكة قوية من العلاقات في المنطقة ولا تريد أن تخسرها، على الأقل، في الوقت الحالي. والمفيد القول إنها هي الآن تحارب في الشرق الأوسط من أجلِ إسرائيل، لذا تحاول جاهدة تقديم كل ما يلزم لها على حساب دماء شعوب المنطقة.
واشنطن اليوم تسعى جاهدة من أجل المساعدة في رسم ملامح خريطة الشرق الأوسط الذي تحول إلى ميدان للأزمات المتصاعدةِ لدرجة الفوضى العارمة. وما يجري إنما هي حرب عالمية ثالثة والعمل من أجل تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير، دون تلبية أي مطلب من متطلبات شعوب المنطقة. ربما تستمر حالة الفوضى هذه على المدى الطويل وقد يسعى النظام الرأسمالي الحالي لإعادةِ إنشاءِ نموذج الدولةِ القومية بغطاء من الديمقراطية المزيفة، التي لم تجلب لشعوب المنطقة سوى المزيد من المجازر والحروب والدمار والخراب والتخلف والقهر والمآسي والمعاناة.
وما حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تهجير سكان غزة من أرضهم، إلا دليل على هذه السياسات والمخططات، فتسليم هذا الملف لإسرائيل، وتحويل غزة إلى منطقة سياحية، لتخدم الأهداف والمصالح الإسرائيلية ولتفتح الطريق أمام توسيع إسرائيل نفوذها ورقعة أرضها غير المحدودة، ومعلومٌ أن إسرائيل لا حدود لها.
إذاً يتم رسم خريطة الشرق الأوسط وفق النظرة الأمريكية وبأيادٍ إسرائيلية في محاولة للعب دورٍ هامٍّ في التطورات التي تشهدها المنطقة، سيما بعد القضاء على حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وبالتالي تستطيع أن تصبح لاعباً أساسياً في رسم سياسات المنطقة من جديد، وإيجاد ما يخدم نفوذها بالدرجة الأولى بغض النظر عن تطلعات شعوب المنطقة. لكن المراد منها، تأمين المراقبة على الشرق الأوسط وخلق حليف إستراتيجي لإسرائيل فيها. إلا أن مخطط ترامب هذا بات بمثابة كابوس بالنسبة لسكان غزة، والعالم ينتظر مرور زوبعة “ريفييرا الشرق الأوسط” من الآن فصاعداً.
وفي خضم هذه التحديات، يبدو أن التغيير هو عملية طويلة، لكنه حتمي وضروري، حيث يتخبط الشرق الأوسط في الوقت الراهن رغم وجود العديد من القوى الديناميكية التي تحاول إنقاذه من الحروب التي تدور رحاها على أرضه. وما يشهده يومنا ليس سوى الفوضى والتراجيديات المأساوية اليومية، بكل ما للكلمة من معنى. وقرارات القوى المهيمنة على العالم أحادية الجانب باستمرار، تضرب بعرض الحائط كافة وجميع الأعراف والمواثيق الدولية والقانون الدولي والإنساني. وكل شيء تحت سيطرتهم وسلطتهم الخاصة. فيما إرادة الشعوب مسلوبة في معظم الأوقات.
المتغيرات المبتدئة في الشرق الأوسط مهمة للغاية في الوقت الحالي بالنسبة للشعوب المتنوعة على الصعد كافة، فالمجتمع في الشرق الأوسط يمر في مرحلة إعادة تأسيس تاريخية مجدداً، لذا يتطلب من القوى الحرة والمنظمة، والمكافحة في سبيل المساواة والحرية، تطوير نماذج الحل المستندة على المبادئ والأسس الديمقراطية، والمناهضة لنظام الحداثة الرأسمالية، وخوض نضال كبير والتصعيد من قوة تأثيرها، لأنها السبيل الأنسب والأمثل للوقوف في وجه القوى التي تحاول سلب إرادة الشعوب وتحقيق أهدافها البعيدة في المنطقة. ونسج هوية الشرق الأوسط بعيداً، ضمن هذا السياق الهام.
على القوى الديمقراطية وشعوب المنطقة، عدم ترك زمام الأمور في الشرق الأوسط لأمريكا والقوى الكبرى الأخرى، بل عليها أن تتخذ من التعاضد الأخوي الإستراتيجي، بدءاً من أخوة الشعب بين العرب والكرد إلى جميع المكونات الأصيلة التي تعيش في هذه الأرض التاريخية العريقة. كما حصل في العديد من المراحل التاريخية الحرجة. وهكذا يمكنها لعب دورها بما يليق بميراثها الماضي، والسير بخطى سليمة وأمينة دون أي حرج.
يعمل الشعب الكردي الذي يعد من أكثر الشعوب تعرضاً للظلم والاضطهاد في الشرق الأوسط، بشكل دؤوب، ويواجه يومياً حرب الإبادة والتدمير، من أجل خلق نظام ديمقراطي يضمن حقوق جميع الشعوب المظلومة، ويوفر العيش الكريم لهم. الشعب الكردي اليوم متعطش للحرية أكثر من أي وقت مضى، وكل الصعوبات والضوائق المخاضة في الشرق الأوسط لم تفلح قط في تغيير تطلعات وأهداف الشعب الكردي، هذا سيما ما له من دور هام في هذه المرحلة الجديدة داخل الشرق الأوسط ونضاله بات مفتاح الحل لكافة القضايا العالقة في المنطقة.
الشرق الأوسط الذي يشهد فوضى عارمة وحروباً مدمرة وسياسات القوى المهيمنة تجاه الشعوب والمتاجرة بقضاياهم العادلة، بات اليوم أكثر حاجة إلى الديمقراطية كحاجته إلى الماء والهواء. كما هو حال جميع شعوب المنطقة، فالشعوب الحرة، تعتبر جداراً حصيناً في وجه سياسات الدولة القومية المدمرة التي تسلب إرادتهم الحرة، لأنهم رمزٌ للنضال من أجل الحرية والكرامة.
وفي المحصلة، فإن الشرق الأوسط بحاجة إلى حل ديمقراطي يرضي جميع الشعوب المتعايشة فيه. حل يحمي هويتهم الأصيلة. والكل مخول بالعمل من أجل بناء الشرق الأوسط بما يستحق العيش فيه. ويجب أخذ خيار الشرق الأوسط الديمقراطي بعين الاعتبار دائماً كهدف إستراتيجي في هذه المرحلة التاريخية. الشعوب السورية تنتظر سورية ديمقراطية تعددية حرة تضم جميع الألوان والأطياف السورية، وأيضاً الشعب العراقي يستحق أن يعيش بعيداً عن أجندات القوى الخارجية، وسكان غزة يستحقون العيش على أرضهم مع الشعب اليهودي وتحقيق الروح الأخوية بينهم. وخلق شرق أوسط، يصبح منارة مشرقة لبقية العالم، وإنهاء الحروب والصراعات الدموية.
الكاتبة : هيفيدار خالد