من وعود الثورة إلى عقلية الإقصاء.. خيبة أمل من مؤتمر الحوار الوطني في سوريا (خاص)

بعد أكثر من عقد من الصراع في سوريا، كانت الآمال معلقةً على مرحلةٍ انتقالية تعكس تطلعات جميع السوريين، إلا أن تشكيل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني أثار الجدل، إذ بدا أن الوعود بحكومة تشاركية واحترام جميع المكونات لم تكن سوى كلام في الهواء، وسط قراراتٍ أحادية وإقصاءٍ متعمَّد لجهاتٍ أساسية في المشهد السوري.

ففي الأيام الأخيرة من عمر النظام السوري السابق، أطلق حينها قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، الذي بات يعرف لاحقاً بأحمد الشرع، جملةً من الوعود بأن الحكم في سوريا سيكون تشاركياً وستحترم فيه جميع المكونات، مشدداً عقب سقوط نظام الأسد على العمل بعقلية الدولة لا الثورة.

إلا أنه وبعد شهرين من رحيل الأسد يبدو أن وعود الشرع الذي نُصب رئيساً للمرحلة الانتقالية في سوريا، يبدو أنها ذهبت أدراج الرياح، فمن تشكيل الحكومة المؤقتة مروراً بتعيينات ما أنزل الله بها من سلطان في الجيش بحلته الجديدة، وصولاً إلى اللجنة التحضيرية لما يعرف بمؤتمر الحوار الوطني، الذي أكد على عقده منذ الساعات الأولى من وصوله إلى دمشق.

تشكيلة اللجنة جاءت مخيّبة لآمال معظم السوريين، إذ طغى عليها شخصيات من لون واحد، وفكر واحد، حتى أن المتحدث باسمها حسن الدغيم لم يتوانَ في تصريحات لوسائل إعلام أن يقرر حرمان من وقف على الحياد بين النظام السابق والفصائل المسلحة طيلة السنوات السابقة من المشاركة في المؤتمر.

الدغيم أكد كذلك أن المشاركة في المؤتمر لن تكون وفق الانتماءات القومية أو الحزبية، لكنه أرجعها إلى خبرة اللجنة في اختيار الأشخاص المشاركين على أساس الوطنية والتأثير في محيطه، دون توضيح نوع التأثير، أو معيار الوطنية الذي بموجبه سيدعى الشخص للمشاركة في المؤتمر.

الدغيم الذي وصف اللجنة بالمستقلة، وأن لا سلطة على عملها، أكال المديح على الشرع الذي عيّنه في اللجنة، إذ أكد في حديث مع وكالة سانا الرسمية أن الشرع كان بإمكانه إصدار إعلان دستوري بموجب تنصيبه من قبل الفصائل المسلحة رئيساً للمرحلة الانتقالية في سوريا، إلا إنه آثر إشراك نتائج وتوصيات الحوار في البناء الدستوري للبلاد.

الدغيم هاجم قوات سوريا الديمقراطية وأكد أنها لن تدعى للمشاركة، ودون أن يقدم أدلة على كلامه، زعم أنها لا تمثل مكونات شمال وشرق سوريا، وأنها تستعرض القوة في المرحلة الراهنة، ناسياً أو متناسياً أنها القوة الوحيدة التي حاربت طيلة سنوات إرهاب تنظيم داعش في سوريا، وأنها ما زالت تدافع عن المنطقة من خطر الاحتلال التركي.

المؤتمر المزعوم لا يعرف السوريون موعد انعقاده بعد، فاللجنة تركت الباب مفتوحاً لكل شيء، فبدء أعماله وكذلك عدد المشاركين، وحتى المواضيع التي ستناقش فيه، لم تحدد آجالها بعد، بحجة نيتها الإعداد السليم للمؤتمر.

وفي ظل غياب رؤية واضحة في سوريا، ووسط قرارات إقصائية، تبدو المرحلة الانتقالية محاطة بالكثير من الغموض أكثر من أي وقت مضى، فالسوريون ينتظرون الأفعال لا الأقوال، إذ علمتهم التجارب السابقة أن الشعارات وحدها لا تصنع التغيير، وغايتهم أن يكون المؤتمر نقطة انطلاق فعلية نحو التغيير، وليس مجرد فصل جديد من خيبات الأمل المتكررة.