مع طي صفحة البعث.. سوريا أمام اختبار التعددية السياسية(خاص)

لم تكن الحياةُ السياسية في سوريا ورديةً منذ نشأة الدولة السورية مطلعَ القرن الماضي، ولكنها لم تكن منعدمةً كذلك، فخليط الأحزاب القومية والدينية واليسارية كان يشكل هويةً سوريةً فريدة من نوعها على مدار عقودٍ من الزمن، على الرغم من إفراغها من محتواها مع وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970.

الأسد المنتمي لحزب البعث سمح وفق مراقبين، بنشوء كياناتٍ حزبية جوفاء، تَدين له بالولاء، ضمها فيما بعد إلى ما عرفه السوريون باسم الجبهة الوطنية التقدمية، والتي بقيت قائمةً إلى أن جاء قرار الحل في ما سمي بمؤتمر “نصر الثورة السورية”، والذي أقر حل حزب البعث ومعه أحزاب الجبهة ومنع تشكيلها تحت أي مسمى آخر، ومصادرة ممتلكاتها.

الجبهة كانت الورقة التي يستخدمها حافظ الأسد أمام الرأي العام لادعاء تعددية الأحزاب في سوريا، إلا أن تلك الأحزاب كانت تدور في فلك حزب البعث الحاكم، الذي أقر دستوراً للبلاد يقضي بقيادته للمجتمع والدولة.

القمع الممارس من الأسد الأب ومن بعده الابن على مدار أكثر من خمسين عاماً، لم يمنع تشكل أحزابٍ سياسية معارضة في سوريا، ورغم ملاحقة قادتها وأعضائها من قبل أجهزة النظام الأمنية، إلا أنها استقطبت الكثيرَ من الشباب.

التحول الكبير في سوريا جاء مطلع العشرية الثانية في الألفية الجديدة، حين أقر النظام قانوناً يسمح بإنشاء أحزابٍ سياسية، ولكن ضمن شروطٍ شبه مستحيلة، ومن استطاع تطبيقها وضعه النظام تحت مظلته ليطلق عليه في سنوات الثورة الأولى “أحزاب معارضة وطنية”، وكأنه يجرّد بذلك الأحزاب الأخرى التي تعارضه من صفة الوطنية.

ومنع القانونُ الجديد تأسيسَ الأحزاب على أساسٍ ديني أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني، كما منع إنشاءها على أساس التمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون، كما منع القانون الأحزابَ من إقامة أي تشكيلاتٍ عسكرية أو شبه عسكرية علنيةً أو سرية، أو اللجوء إلى استخدام العنف بكل أشكاله أو التهديد به أو التحريض عليه.

كما اشتُرِطَ في الحزب علانيةَ مبادئه وأهدافه ووسائله ومصادر تمويله، وألا يكونَ فرعاً تابعاً لحزبٍ أو تنظيمٍ سياسي غير سوري.

الغريب أن حزب البعث نفسه كان يناقض هذه الموانع، فهو قائمٌ على أساسٍ عرقي بتفضيل العرب دون غيرهم من السوريين، وله امتداداتٌ في بلدانٍ عربية أخرى، كما أنشأ ما عُرف بكتائب البعث التي نكّلت بالسوريين وقمعتهم خلال سنوات الحرب.

اليوم وبعد قرار حل حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، تحتاج سوريا وفق مراقبين، إلى تأسيس نظامٍ سياسي تعددي، من خلال وضع دستورٍ جديد يكرس التعددية السياسية، ويتيح المجال لمشاركة جميع التيارات، بعيداً عن الإقصاء والهيمنة.

سوريا اليوم تقف على أعتاب مرحلة جديدة، مرحلة لم تتضح معالمها بالكامل بعد، لكنها تحمل بين طياتها إمكانيات التغيير وفُرَصَ النهوض.

التحديات جسيمة، والرهانات كبيرة، ولكن إرادة الشعب، كما ذكرت في دروس التاريخ، هي من تصنع المصير.

الأيام المقبلة ستحدد ما إذا كان هذا التحول خطوةً نحو الديمقراطية والاستقرار، أم بدايةً لفصلٍ جديد من الصراعات والتجاذبات…. الكلمة الأخيرة للشعب، فهل يكون المستقبل كما يطمح السوريون؟