معاهدة لوزان.. اتفاقية غيرت مجرى التاريخ (خاص)
منطقة الشرق الأوسط بكل حروبها وخلافات دولها، وتداعيات ذلك على شعوبها، ما هي إلا حلقة أو نتيجة للمعاهدات التي وُقعّت برعاية الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وعلى رأسها اتفاقية لوزان التي أُبرمت في الرابع والعشرين من تموز/ يوليو من عام 1923، وحددت هذه المعاهدة الكثير من التفاصيل التي ما زال تأثيرها مستمراً إلى يومنا هذا.
فما إنْ وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عام 1918، حتى بدأ المنتصرون بفرض معاهدات على المنهزمين، الذين كان في مقدمتهم الدولة العثمانية، التي كانت تعيش أيامها الأخيرة، لا سيما مع تآكل مساحتها الشاسعة يوماً بعد يوم، في ظلّ الثورات المندلعة في معظم المناطق البعيدة عن العاصمة إسطنبول.
وعلى وقع الهزيمة في الحرب، وقعت الدولة العثمانية معاهدة سيفر عام 1920، تخلت فيها عن الكثير من أراضيها لمصلحة المنتصرين في الحرب، وأكبر المستفيدين كانوا بريطانيا واليونان وفرنسا وإيطاليا، الذين تقاسموا الأراضي التي كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية قبل هذا التاريخ.
كما منحت المعاهدة وطناً للأرمن، مع حصول الكرد على الاستقلال بموجب البندين 62 و 63 من الفقرة الثالثة، والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان استناداً إلى البند 62.
مجموعة من عناصر الجيش العثماني تمرّدوا على قرار سلطانهم وحيد الدين محمد السادس، وأعلنوا العصيان وعدم قبولهم بنود معاهدة سيفر، لتبدأ مجموعة من المعارك عرفت في تركيا بحرب الاستقلال، بقيادة مصطفى كمال، حارب خلالها اليونانيين وتمكّن من إخراجهم من مناطق تواجدهم في إزمير والسواحل الغربية لتركيا.
تقدّم مصطفى كمال ومن معه، دفع الحلفاء للتفاوض مع ممثلين عن البرلمان التركي حتى إقرار معاهدة لوزان، التي أبرمت في الرابع والعشرين من تموز/ يوليو عام 1923، استعادت فيها تركيا معظم الأراضي التي خسرتها بموجب معاهدة سيفر، فيما تنازلت عن أراضٍ أخرى.
المعاهدة الجديدة نسفت معاهدة سيفر، وجاءت مناقضة لمبادئ ويلسون الأربعة عشر، وتجاهلت تمام التجاهل حقوق الشعب الكردي والأرمني والشعوب الأخرى المتواجدة في أرضها التاريخية، وألحقت هذه الأراضي بخارطة تركيا الجديدة، التي تحولت إلى جمهورية في التاسع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1923.
معاهدة لوزان كرّست حدوداً غير طبيعية بين البلدان، هذه الحدود قسّمت الشعوب بين عدة دول، وضاعت حقوقها إلى يوم الناس هذا، فتشرذم وطن الكرد التاريخي بين أربعة بلدان، هي تركيا وإيران والعراق وسوريا، واختلفت هذه الدول في كل شيء، وعلى كل شيء، لكن في مسألة ضرب أي مشروع كردي حقيقي، كانت تنحي خلافاتها جانباً، وتوحّد جهودها في سبيل ذلك.
ولا يمكن تجاهل سياسات التغيير الديمغرافي التي انتهجتها أنظمة الحكم في البلدان الأربعة بحق الكرد بدرجة أولى، وبحق الشعوب الأصيلة في المنطقة منذ ذلك الحين ولغاية الآن، وهو ما يفعله الاحتلال التركي في مناطق شمال وشرق سوريا المحتلّة.
وهكذا تغيرت خارطة الشرق الأوسط من جديد بعد تغييرات طالتها جرّاء اتفاقية سايكس بيكو، ومعاهدة سيفر التي باتت حبراً على ورق، وبلا أي قيمة فعلية مع دخول معاهدة لوزان حيز التنفيذ.
اليوم تمر الذكرى السنوية الأولى بعد المئة على توقيع المعاهدة، وتغيرت الكثير من أنظمة الحكم، إلا أن الثابت الوحيد منذ ذلك العهد بقيت الحدود.
الكرد وغيرهم من الشعوب المتضررة، رفضوا المعاهدة، وبدأوا بتنظيم فعاليات وندوات داخل وخارج أرضهم التاريخية، دعوا من خلالها لاستعادة حقوقهم، التي سُلبت منهم من قبل دول غلبّت مصالحها على مبادئ حقوق الإنسان، وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو أحد المبادئ الأساسية في الأمم المتحدة.
معاهدة لوزان كرّست ببنودها مبدأ الدول القومية، التي تصهر جميع القوميات والشعوب المتواجدة في تلك الدولة في قومية واحدة، وتلغي هوية ولغة وثقافة كافة الشعوب، بينما تفرض هوية ولغة وثقافة القومية الحاكمة، التركية في تركيا، والفارسية في إيران، والعربية في سوريا والعراق.