مطبات على طريق تطبيع أنقرة ودمشق

الكاتبة: هيفيدار خالد

عاد ملف التطبيع بين الحكومة السورية والنظام التركي إلى واجهة الأحداث منذ مطلع الشهري الحالي، بعد تصريحات إعلامية أدلى بها رئيس النظام التركي رجب أردوغان، وأبدى فيها جاهزيته للقاء ببشار الأسد. محاولات التطبيع كانت قد بدأت نهاية عام 2022 لكنها توقفت فيما بعد، وذلك نتيجة إصرار الرئيس السوري بشار الأسد على شرطه، انسحاب تركيا من كافة الأراضي السورية التي احتلتها في الفترة الممتدة ما بين عام 2016 إلى عام 2019.

المناطق المحتلة التي تضم منطقة عفرين وإدلب ورأس العين وتل أبيض وجرابلس والباب وإعزاز، يتوجب على تركيا الانسحاب منها وإنهاء احتلالها، بحسب شروط دمشق، قبل أي لقاء بين الطرفين، إضافة إلى وقف الدعم للفصائل الإرهابية من قبل تركيا، واعتبارها مجموعات إرهابية، وفي كل مرة تصطدم دعوات أردوغان بشروط دمشق التي تؤكد على تحقيقها بشكل مطلق.

طبعاً الحديث عن عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق أثار ردود فعل غاضبة في المناطق المحتلة حيث شهد الأسبوعان الماضيان اعتصامات ومظاهرات كبيرة متواصلة في إدلب وريف حلب وحرق العلم التركي، وإنزاله من على المباني، بينما تزداد المخاوف بين صفوف الفصائل الإرهابية، التي استغلها أردوغان لتنفيذ مشروعه التوسعي بالمنطقة، بأن تصبح ضحية لسياساته ومصالحه الخاصة.

من خلال متابعة المشهد العام في المنطقة نجد أن جميع الآراء قد ذهبت إلى أن إجراء اللقاءات بين الطرفين لا يمكن أن يؤدي إلى انسحاب الاحتلال التركي من سوريا، أو إجراء أي تغيير على أرض الواقع، ذلك أن مسار التطبيع محفوف بمخاطر كبيرة ومطبات وتحديات يفرضها الواقع السوري المتأزم إضافة إلى الدور الذي تلعبه الأطراف المتدخلة بالأزمة السورية.

لذاك فإن عملية التطبيع بين الجانبين ليست بالسهولة التي يتم فيها الحديث عنها، فهناك ملفات خلافية معقدة بين الطرفين، كمسألة عودة اللاجئين السوريين الذين ضاق النظام التركي بهم ذرعاً على خلفية استخدامهم كورقة ضغط من قبل المعارضة التركية، وكذلك إقناع ما تسمى المعارضة السورية- التي أبدت امتعاضاً من اندفاع أردوغان للقاء ببشار الأسد، دون أن يبدي الأخير أي أهمية للقائه- بالمصالحة مع الحكومة السورية أو الانخراط في صفوفها.

على الرغم من أن الحكومة السورية وعلى وجه الخصوص بشار الأسد يتعرض لضغوط كبيرة من الجانب الروسي، الذي يقدم الدعم الكامل لدمشق منذ عام 2015 عسكرياً وسياسياً من أجل إبرام اتفاق مع رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، وعقد علاقات دبلوماسية في أعلى المستويات إلا أن الحكومة السورية تكرر المطالب ذاتها، وهذا يعتبر نقطة في غاية الأهمية وأمراً مهماً من شأنه الحفاظ على سيادة سوريا المقسمة إلى مناطق نفوذ بين كل من روسيا وأمريكا وإيران وتركيا.

إلا أن ما يهم أنقرة من هذا التقارب بالدرجة الأولى هو حل معضلة اللاجئين السوريين البالغ عددهم 3.6 ملايين لاجئ، المشكلة التي باتت تؤرق الشارع التركي، نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة في الداخل التركي بسبب سياسات أردوغان الفاشلة. في المقابل حكومة دمشق غير مستعدة في الوقت الحالي لاستقبالهم، وغير قادرة على توفير وتأمين الدعم الاقتصادي الكامل وتقديم الخدمات اللازمة لهم. لذا فإن ملف اللاجئين السوريين يشكل هاجساً لدى الطرفين في الوقت الحالي.

إضافة إلى ذلك ما تزال الأمم المتحدة تؤكد أن سوريا ليست آمنة لعودة اللاجئين. كما أنه هناك ضغوطات كبيرة من أطراف إقليمية على الحكومة السورية كي لا تسارع في التطبيع مع أنقرة، دون أن تقدم الأخيرة تنازلات جدية. إلا أنه من غير المحتمل أن ترضخ تركيا لشروط بشار الأسد وتسحب قواتها من المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا في المدى القصير أو المتوسط.

كما أن دمشق تشترط أن يخرج أي لقاء مع تركيا بتعهد واضح وصريح وعلني بالانسحاب الكامل من سوريا، وفق أجندة محددة زمنيا، وكذلك رفع العقوبات الغربية والبدء بعملية إعادة الإعمار قبل مناقشة أي خطوة لعملية العودة للعلاقات. إضافة إلى مصير الآلاف القاطنين في المناطق السورية المحتلة تركياً.

خارطة التطبيع بين حكومة دمشق والنظام التركي هي بمثابة لقاء المصالح ومخطط يتم العمل عليه منذ فترة برعاية روسية التي رحبت بهذا المسار من خلال تصريحات أدلت بها المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا والتي أشارت إلى أن الجانب التركي اتخذ في الأيام الأخيرة “خطوات مهمة” في هذا المسار، وكما هو معلوم فإن التقارب بين الطرفين يخدم موسكو أكثر من أي طراف آخر. لكن لأمريكا موقفاً آخر من هذا المسار حيث دعت دول العالم قاطبة إلى عدم تطبيع علاقاتها مع حكومة دمشق والرئيس السوري بشار الأسد.

كما أن الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا انتقدت مساعي التطبيع بين تركيا والحكومة السوية ووصفتها بالمؤامرة الكبيرة، وكان مجلس سوريا الديمقراطية قد حذر في بيان له، من أن يكون التصالح بين أنقرة ودمشق على حساب الشعب السوري، موضحاً أن التطورات المتعلقة بمحاولات التطبيع بين الطرفين، ساهمت بشكل كبير في زيادة الضغط على اللاجئين السوريين في تركيا. وأن على الشعب السوري عدم التعويل كثيراً على ما سيجلبه هذا المسار للسوريين سواء في الداخل أو الخارج، لأنه لقاء مصالح على حساب الشعوب.

الهدف الرئيسي بالنسبة لأردوغان من هذه العملية المستحيلة النجاح محاربة المشروع الديمقراطي في شمال وشرق سوريا واستهداف المكونات الرئيسة بالاتفاق مع الحكومة السورية تنفيذاً لمخططاته وأجنداته في المنطقة وذلك ما سينعكس سلبا على السوريين جميعهم.. ومن هنا تبرز أهمية العمل بمبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والبناء عليها والتشجيع على الحوار السوري ـ السوري فوحده من يستطيع إنهاء معاناة السوريين وإيجاد مخرج حقيقي للازمة التي اجتاحت البلاد منذ عام 2011 وما زالت مستمرة حتى الآن مخلفة وراءها كوراث إنسانية حقيقية.

قد يعجبك ايضا