تريليون دولار، هو ما صرفته الولايات المتحدة بحسب رئيسها جو بايدن على إعادة تأهيل وتدريب الجيش الأفغاني، خلال عشرين عاماً قضتها واشنطن في البلاد، بعد حرب ضروس ضد حركة طالبان، تلت أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر ألفين وواحد.
كل هذه الأرقام والسنين، لم تكف أفغانستان للتخلص تماماً من طالبان، لتعود مجدداً إلى المربع الأول الذي بدأت منه، حين كان عناصر الحركة يتحكمون بالبلاد طولاً وعرضاً.
الخامس عشر من آب/ أغسطس الفائت سقطت العاصمة كابول، كما سقطت من قبلها مدن وأقاليم أفغانية شمالي البلاد وشرقها، بسرعة لم يكن يتوقعها المجتمع الدولي، بعد انسحابات متتالية للجيش الأفغاني وهروب معظم قادته إلى دول الجوار.
بالتزامن مع ذلك، فر الرئيس الأفغاني أشرف غني إلى خارج البلاد، كما كان مطار العاصمة شاهداً على تجمعات غفيرة من الأفغانيين الفارين من حكم طالبان الجديد، في مشهد أعاد إلى الأذهان انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام في سبعينيات القرن الماضي.
موجات هروب الأفغان المتعاونين مع الولايات المتحدة والمعارضين لطالبان استمرت لأيام، رغم وعود قادة الحركة بتغيير سلوكها وتشكيل حكومة تمثل كل الأطياف والأعراق المتواجدة في أفغانستان.
البلاد تعيش اليوم واقعاً مغايراً بعد مرور نحو شهر ونصف على خروج آخر جندي أمريكي من مطار كابول، فالمظاهرات السلمية الرافضة لسيطرة الحركة على البلاد جوبهت بالرصاص الحي، كما مُنعت النساء من التوجه للعمل، بالإضافة لمنعهن من التعلم والتعليم، إضافة لإلغاء وزارة شؤون المرأة واستبدالها بوزارة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
حركة طالبان باتت اليوم الآمر الناهي في البلاد من بابها لمحرابها، لا سيما بعد قضائها على آخر جيب للمقاومة في مدينة بنجشير بقيادة أحمد مسعود، نجل الزعيم الأفغاني الراحل أحمد شاه مسعود.
ومع استلامها زمام الأمور في أفغانستان قاطبة، تراجعت الحركة عن وعودها باحترام حقوق الانسان، إذ تناقضت أقوالها أمام وسائل الإعلام مع أفعالها على الأرض، وتنامى خوف واضح من قمع وحشي ومنهجي لحرية النساء، بحسب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، التي طالبت المجتمع الدولي بما في ذلك الأمم المتحدة وجميع الدول الأعضاء فيها بالضغط على حركة طالبان للإيفاء بوعودها.
دول عديدة وتكتلات سياسية واقتصادية دولية لم تعترف بعد بشرعية حكومة طالبان الجديدة، وهذا ما فرض تجميد أموال أفغانية مودعة في أمريكا وغيرها من الدول. فيما تدعو طالبان للإفراج عن هذه الأموال للحد من الأزمة الاقتصادية وتهاوي العملة المحلية على حد زعمها.
اليوم حيث لا اعتراف رسمي بطالبان ولا رفض دولي للتعامل معها، وهو ما يرسم إشارات استفهام عديدة حول مستقبل البلاد تحت حكم الحركة بنسختها المحدثة، التي تروج لها بعض الدول، وتتخوف منها دول أخرى.