محنة عفرين بين الاحتلال الاجنبي والتواطئ الدولي

أنقرة التي وجهت جهودها في بداية الأزمة السورية نحو الدفع باتجاه اسقاط النظام في دمشق، غيّرت بوصلة سياستها باتجاه الكرد في شمال سوريا.
فمدينة عفرين الكردية، اصبحت هدفا لعملية عسكرية قامت بها تركيا. واختار رئيس النظام رجب طيب اردوغان اسم”غصن الزيتون” ، في تناقض صارخ مع الممارسات التي اقدم عليها جيش الاحتلال، معززا بحلفائه من المجموعات المسلحة التي تضم فصائل ارهابية.
واستخدامت تركيا كل انواع الاسلحة الثقيلة، التي طالت البشر والحجر والشجر، وامتد القصف ليشمل كل شيء في المدينة، المنازل والمدارس والافران ،وشبكات مياه الشرب ،والمواقع الاثرية.
وفي تحدٍ واضح للقوانين الدولية التي تمنع المحتل من الاقدام على اي خطوات من شأنها تغيير طابع المدينة التاريخي والثقافي، شرعت القوات الغازية بعد الاحتلال، بتخطيط ممنهج لتغيير الهندسة الديموغرافية لعفرين، واعادة توطين اللاجئين السوريين من التركمان والعرب في المدينة.
ووسط تعتيم اعلامي دولي مريب، بلغ عدد المهجرين من سكان المدينة من الكرد اكثر من 300 ألف شخص. ونتيجة المظالم والانتهاكات فقد غادر المدينة خلال 55 يوما من الاحداث ربع مليون كردي، وتم توطين عشرات الالاف من اسر الفصائل الحليفة لانقرة. واوردت المنظمات الدولية والانسانية العشرات من التقارير التي توثق انتهاكات القوات الغازية وحلفائها من العناصر الارهابية بحق المدينة واهلها.
واستولت فصائل مدعومة من تركيا على 75 % من مزارع الزيتون بعد اجبار مالكيها على ترك مزارعهم وبيوتهم.
وفتحت تركيا دوائر لسجلات النفوس لنقل سجلات المستوطنين والغرباء عن المدينة اليها، في خطوة مكشوفة لتغيير التركيبة السكانية لمدينة عفرين. واللافت ان هذه المؤسسات ترفع العلم التركي. وتهدف تركيا من هذه الاجراءات الى انشاء”جدار ديموغرافي” عازل على حدودها الجنوبية يتناغم مع الجدار الطويل الذي اقامته على تخومها الجنوبية مع سوريا.
في خضم كل ذلك، حاول اردوغان توظيف حملة عفرين؛ لتلميع صورته في الداخل لدى القوميين المتشددين خاصة وان استحقاقات دستورية وانتخابية كانت تلوح قريبة في الافق.
وجاء ذلك بتواطئ موسكو التي رغبت، ومازالت في اعادة تأهيل النظام في دمشق وتعويمه دوليا ، والتردد الامريكي الذي بدا منشغلا بابعاد النفوذ الايراني عن سوريا.
باختصار كانت عفرين، مثلما حلب من قبل، العنوان الابرز لتراجيديا التفاهمات الدولية والصمت المريب إزاء تبعاتها، وآثارها القاسية والمؤلمة، في تجاوزٍ واضح لحق الشعوب في العدالة والكرامة الانسانية.

د. فرح صابر/ أكاديمية جامعية

قد يعجبك ايضا