كيف يمكن لمن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء أن يكونوا جزءاً من مستقبل سوريا؟
بعد تنصيب أبو محمد الجولاني رئيساً انتقالياً في سوريا في المؤتمر الذي عقد في العاصمة دمشق بمشاركة الفصائل الإرهابية التي تلطخت أياديها بدماء السوريين، بينهم المدعو حاتم أبو شقرا قاتل السياسية الكردية والأمينة العامة السابقة لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف، والمرتزق أبو عمشة وسيف بولاد أبو بكر، قاتلي عشرات أبناء الشعب الكردي في عفرين وناهبي أملاكم وممتلكاتهم إبان احتلالها من قبل تركيا. كيف لهؤلاء المرتزقة والإرهابين المرتبطين بالدولة التركية، أن يحكموا سوريا وهم متورطون في جرائم قتل النساء والأطفال؟ وبأي عقل ومنطق يتم تكليفهم لتولي مناصب رفيعة؟ وهم بالأمس لم يكن سوى حفنة من المرتزقة لدى المحتل التركي.
قضية تنصيب أبو محمد الجولاني رئيساً للمرحلة الانتقالية في سوريا، وتكليفه بمهام رئاسة “الجمهورية العربية السورية”، لتمثيلها في المحافل الدولية من الآن فصاعداً، أثارت ردود فعل متباينة في الأوساط السورية والإعلامية، في المقابل أثارت عدة تساؤلات جوهرية تتعلق بالدستور والسقف الزمني للمرحلة الانتقالية. بعد اتخاذ قرار إلغاء العمل بدستور 2012 وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية، بالإضافة إلى حل مجلس الشعب المشكل في عهد الرئيس السوري السابق بشار الأسد، واللجان المنبثقة عنه، مع حل “حزب البعث العربي الاشتراكي”، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان. إضافة إلى اتخاذ قرار بضم جميع أصول الأحزاب المذكورة التي تم حلها إلى “الدولة السورية”، بدون أي دستور وأي قوانين واضحة، نعم فصائل عسكرية تقرر مصير سوريا الجديدة على أهوائها ومقاسها.
والسؤال الذي يُطرح كيف سيكتب الدستور الجديد للبلاد؟ ومن سيشارك في كتابته؟ في ظل الوقت الحالي الذي تسود فيه الضبابية عن الجهة التي ستتولى كتابة الدستور الجديد لسوريا، وما إذا كانت ستظل موكلة للجنة الدستورية التي تم تشكيلها في 2018 أم لا. وما هي المدة الزمنية للمرحلة الانتقالية؟ مؤسف اليوم حال سوريا، بعد أن استبعدت العديد من المكونات الدينية والعرقية السورية من المؤتمر الذي عقد لاتخاذ قرارات مصيرية بحق الشعب السوري، وباتت اليوم سوريا تتجه نحو المجهول في ظل ما تشهده من تطورات ومحاولات إقصاء لأطياف من الشعب الذي يسعى إلى سورية ديمقراطية تعددية، التي طالما حلم ونادى من أجلها السوريون، بعد اندلاع ثورتهم في 2011 التي انحرفت فيما بعد عن مسارها الحقيقي، نتيجة تدخلات مباشرة من قبل قوى إقليمية ودولية.
باتت سوريا في قلب الأزمات السياسية، بعد المؤتمر الذي عقد في دمشق، الذي من المفيد وصفه على أنه كان اجتماع الفصائل المحسوبة على طائفة واحدة ولا شرعية لها، وهو إعادة تشكيل النظام السابق بشخصيات جديدة لكن بنفس العقلية، وانقلاب عسكري بحت، فالحديث عن مؤتمر حوار وطني بات من الماضي ولا عدالة انتقالية ولم يعد معنى للتفاوض مع الفصائل المسلحة، ولا يمكن النقاش عن المرحلة الانتقالية من الآن فصاعداً ولا انتخابات ديمقراطية بطبيعة الحال. فقط سيتم إعادة بناء سوريا وفق رؤية الجولاني والمتفقين معه على السلطة في البلاد، من المسلحين والإرهابين الذين سفكوا دماء الشعب السوري، ويتم إعادة انتاجهم من جديد من خلال دمجهم في الجيش السوري الجديد. وكل ما جرى ويجري اليوم، يفتح الطريق أمام تشكيل سلطة دكتاتورية شمولية على غرار التي قادتها عائلة الأسد أكثر من خمسين عاماً في البلاد، إذاً بماذا يختلف الجولاني عن بشار الأسد الذي عُرف عهده بالقمع والاستبداد والاستفراد بالسلطة؟ بالتأكيد لا شيء كما يبدوا المشهد لنا.
هؤلاء المرتزقة والإرهابيون لا يستطيعون قيادة سوريا إلى برِّ الأمان، وإعادة هوية سوريا المفقودة وبناء سوريا الديمقراطية التعددية لا مركزية، وتحقيق العدالة للجميع، ولسان حال المكونات السورية الأساسية تقول: أي عدالة ننتظرها إذا كان المجرمون جزءاً من مستقبل سوريا وإدارتها والاستيلاء على كل شيء فيها؟ كيف يمكن لمن تلطّخت أيديهم بدماء الأبرياء أن يكونوا جزءاً من مستقبل سوريا؟ وكيف يمكن لنا من الآن فصاعداً الحديث عن العدالة، الديمقراطية، التشاركية، التعددية، حقوق المرأة، المساءلة، بينما يتصدر المشهد أشخاصاً متورطين في جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الشعب السوري؟ وعلى وجه الخصوص المرأة السورية التي عانت الكثير من الويلات والمآسي من سياساتها وانتهاكاتها.
ولا سيما الذين اجتمعوا معاً ممن أدراج اسمائهم في قوائم العقوبات الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية، وذلك بسبب تورطهم في القتل وعمليات العنف، والاختفاء القسري، ونهب ممتلكات السكان الأصلين في مدينتي عفرين وسري كانيه، باتوا جزءاً من المشهد السياسي والعسكري في سوريا. من هنا على الجميع أن يعلم بأن العدالة الحقيقية لا تتحقق بوجود هؤلاء الإرهابيين في السلطة، بل بمحاسبتهم على جرائمهم، وإنصاف الضحايا وعائلاتهم والعمل من أجل كشف زيف ادعاءهم. سيما أن الرؤية لما يجري في سوريا غير واضحة حتى الآن حيث التحديات كثيرة والمطبات تزداد يوما بعد يوم.
مؤتمرٌ ليس فيه أي ممثلين عن مكونات مناطق شمال وشرق سوريا التي تشكل ربع مساحة سوريا، وليس فيه أي شخص يمثل المكونات لا الكردية ولا العلوية ولا الدرزية ولا المسيحية ولا وجود لامرأة واحدة فقط، وتم إبعاد كل المعارضين الحقيقين، فقط يوجد فيها عناصر الفصائل المحسوبة على هيئة تحرير الشام وتركيا، لا يستطيع أحد منهم أن يكون إرادة ولا إدارة للشعب السوري كافة. من الخطأ وصف المؤتمر الذي عقد بأنه يمثل الجميع، المؤتمر لا يمثل سوى لون واحد وجندر واحد أي كلهم من الذكور. لذا الكل مخول بأن يعمل والقيام بدور فكري وسياسي، من أجل إيجاد حل حقيقي للمعضلة السورية والتأكيد على أن الحلول ليست سهلة، لكنها ممكنة ولا بد من السعي لوضع خريطة طريق واقعية لولادة نظام ديمقراطي يضم جميع السوريين وتحقيق الاستقرار لكسب ثقة جميع الفئات وإعادة الأمل للجميع.
الكاتبة : هيفيدار خالد