كيف يحكم السودان في الفترة الانتقالية؟
إذا كان هناك ما يقلق السودانيين في هذه اللحظة فهو البطء الحاصل في عملية انتقال السلطة إلى حكومة كفاءات مدنية، واستكمال هياكل سلطات الفترة الانتقالية ومعالمها. فمن دون هذه الأشياء لن تبدأ الأوضاع في الاستقرار، وكلما طالت فترة الانتظار ازدادت العقبات وبرزت الخلافات وازدادت الشكوك التي توجد جهات كثيرة تعمل على تغذيتها، في مقدمتها الدولة العميقة التي لم يبدأ تفكيكها بشكل جدي حتى اللحظة، ولم تلمس قرارات المجلس العسكري المتخذة حتى الآن سوى قشورها. الأخطر من ذلك أن تتسع الهوة بين المجلس العسكري من جهة، والمعتصمين وقوى الحرية والتغيير من جهة أخرى، لأن ذلك قد يقود إلى صدام لا يريده عاقل.
المجلس العسكري قام بخطوات أثارت الغضب وزادت الشكوك حول نياته فيما يتعلق بنقل السلطة إلى حكومة كفاءات مدنية بسلطات واسعة، وتهيئة الأجواء لعملية انتقال سلسة تمهد للإجراءات الأخرى المطلوبة لإنجاح الفترة الانتقالية وتحقيق مطالب الثورة. ولعل أكثر ما أثار الغضب هو كلام قيادات المجلس عن أنهم تلقوا أكثر من مائة رؤية ومبادرة تقدم بها أكثر من مائة حزب، وأنهم يعكفون على دراستها للخروج برؤية تقارب بين كل هذه الطروحات.
الأرجح في تقديري أن المجلس العسكري لن يعترض على الحكومة؛ لأن ذلك سيضعه في مواجهة مع الشارع المتحفز. المشكلة التي قد تطرأ ستكون في موضوع إعلان مجلس سيادة مدني بتمثيل عسكري، وهو مطلب أساسي من مطالب قوى الحرية والتغيير، والمعالجة تحتاج إلى كثير من الحكمة من الجانبين. وقد يكون الحل في تشكيل مجلس سيادة مدني بتمثيل عسكري من اثنين وربما ثلاثة، إضافة إلى ضم اثنين من العسكريين إلى مجلس حكماء مدني تكون مهمته استشارية.
في كل الأحوال الأوضاع في السودان لا تحتمل التأخير الحاصل، لأن الفراغ سيخلق المزيد من التعقيدات التي لا يتمناها أحد إلا إذا كان ممن لا يريدون لهذه الثورة أن تحقق غاياتها. والخطوة الأولى المطلوبة هي من قوى الحرية والتغيير، والحكمة مطلوبة من كل الأطراف التي يتوجب عليها أن تقرأ الشارع جيداً ومزاج الملايين المعتصمين.