قصة نساء كنّ رموزاً للثورة في شمال وشرق سوريا

في ظل الأنظمة الأبوية الذكورية تطال المرأة مظاهر عنف شتى وما أن تقرر المرأة الثورة على هذه النظم على غرار الثورة التي تشهدها مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا لا بد وأن تقابل العنف والردع المستميت من قبل تلك الأنظمة حتى لو كانت أدوات القمع هي أسلحة عسكرية.

في ثورة شمال وشرق سوريا استلمت المرأة زمام إدارة الحياة المجتمعية بجوانبها الإدارية والسياسية والعسكرية، مما أثار امتعاض النظام التركي الذي لم يكتف باحتلال الأراضي السورية وتهجير السكان الأصليين من مناطقهم، بل توجه إلى الاستهداف الغادر عبر مسيراته التي استباحت أجواء مناطق شمال وشرق سوريا في ظل تواطؤ المجتمع الدولي معه بعدم فرض حظر جوي على المنطقة.

المرأة السياسية والمرأة الإدارية والمرأة العسكرية وقعت هدفاً لمسيرات الاحتلال التركي على مدار السنوات الماضية في مناطق شمال وشرق سوريا في مسعاه لوأد ثورة المرأة.

هفرين خلف

في تشرين الأول أكتوبر من عام 2019 عندما بدأ عدوان النظام التركي والفصائل الإرهابية التابعة له على مناطق شمال وشرق سوريا الممتدة بين رأس العين/سريه كانيه وتل أبيض/كري سبي، تم التخطيط بتواطؤٍ دوليٍّ لاغتيال الأمين العام لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف، التي بقيت تُتابع عملَها بين مكان إقامتها في ديريك/ مالكية والرقة حيث مقر الحزب.

وهفرين كانت أيقونة من أيقونات ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا التي خاضت غمار الحياة السياسية بتأسيس حزب سوريا المستقبل في مارس آذار من عام 2018 ، الذي حملت رايته شارة الياسمين الأبيض رمزاً للسلام متوسطةً الخارطة السورية تعبيراً عن سوريا، تقف على مسافةٍ واحدةٍ من كافة المكونات والأطياف والقوميات والمذاهب، ليكون الحزب قوة سياسية يتمكن فيها السوريون من تقرير مصيرهم.

ولأن هفرين خلف المرأة الكردية السياسية التي قطعت أشواطاً في الحلم السوري المُرتقَب من أجل بناء سوريا ديمقراطية تعددية لامركزية، رفضت كل أشكال الاحتلال في نهج المشروع السياسي الذي رسمته مع حزب سوريا المستقبل، أصبحت هفرين مذ انتُخبت أميناً عاماً هدفاً لطغيان الاحتلال التركي وإرهابييه.

بتاريخ الثاني عشر من تشرين الأول أكتوبر من عام 2019 وفي الوقت الذي من المفترض أن قواعد التحالف الدولي تحمي طريق إم فور، الذي يصل بين قامشلي وحلب، قرَّرت هفرين أن تتوجه إلى الرقة للوقوف على رأس بعض الأعمال، لكنها كما باقي أهالي شمال وشرق سوريا لم تُدرك أن الولايات المتحدة قررت سحب قواتها بشكلٍ مفاجئٍ دون سابق إنذار، وأن طريق إم فور لم يعد آمناً.

على الطريق اصطدمت سيارةُ هفرين بحاجزٍ لفصيل أحرار الشرقية الإرهابي التابع للاحتلال التركي، ورغم أن هفرين عرّفت بنفسها كسياسيةٍ وأمينٍ عامٍّ لحزب سوريا المستقبل، كما سمعتها صديقتها التي كانت تحدثها من الرقة على الهاتف، إلا أن هفرين اقتيدت خارج سيارتها مع السائق، واغتِيلت في جريمةٍ وحشيةٍ مُصورةٍ موثقةٍ من قبل المجرمين أنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

دائماً ما يختار الاحتلال التركي تنفيذ جرائمه بحق ثورة المرأة واغتيال أيقوناتها في المناسبات والمحافل التي تقيمها المنطقة من أجل الاحتفاء بإنجازات ثورتها والتحفيز من أجل تصعيد نضالها.

في الثاني والعشرين من تموز يوليو عام 2022 انعقد الملتقى الأول لثورة المرأة في مدينة قامشلي شمال وشرق سوريا حيث لم يكن عصياً على الجموع الحاضرة تمييز القيادية العسكرية جيان تولهلدان التي مثلت وحدات حماية في الملتقى، والذي حضرته جيان ملازمة ارتداء زيها العسكري الذي لم يفارق بدنها منذ انطلاق شرارة ثورة التاسع عشر من تموز والتحاقها بالصفوف الدفاعية الأولى لصون حقوق المرأة وتصعيد النضال ضد أي هجوم يحول دون مضي الثورة قدماً.

خلال الثورة أصبحت جيان تولهلدان قيادية في وحدات حماية المرأة وشاركت في أكثر المعارك ضراوة ضد تنظيم داعش الإرهابي لتخرج منها منتصرة ويحتفي الجميع ببطولتها التي نالت عليها جائزة في مدينة السليمانية بإقليم كردستان.

بعد إلقائها تحية الوداع على الجموع المشاركة في الملتقى الساعي لتصعيد نضالات المرأة على مستوى الشرق الأوسط، توجهت جيان إلى نقطتها لاستئناف وقوفها على رأس عملها كما عاهدت الجموع في الملتقى.

في أثناء مشوار العودة إلى النقطة العسكرية استهدفت مسيرة تابعة للاحتلال التركي السيارة التي أقلت جيان واثنتين من رفيقاتها المقاتلات في وحدات حماية المرأة.

في محاولةٍ أخرى منه لقمع الإرادة الحرة للشعوب والمرأة من أجل إدارة نفسها وممارسة حق تقرير مصيرها استهدف الاحتلال التركي في ذكرى اليوم الذي هاجم فيه تنظيمُ داعش الإرهابي مدينة كوباني شمال شرقي سوريا، مركبةً تُقلُّ قياديةً ومقاتلتَين من وحدات حماية المرأة هنَّ القيادية شرفين سردار والمقاتلتان نوجان أوجلان وجاندا جودي، وذلك على طريق الحطابات في منبج بريف حلب الشرقي، الخارج عن نطاق مناطق اعتداءات الاحتلال، وفقاً لاتفاقياتٍ سيّرتها ما تسمى الدولَ الضامنة مع النظام التركي.

شرفين القيادية التي فقدت حياتها رفقةَ مقاتلتين معها، إثر الاستهداف التركي الغادر هي نفسُها القيادية التي نذرت حياتها للزي العسكري من أجل حماية مكتسبات ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا، والذي كُرِّمت به في قصر الإليزيه بفرنسا على دورها البطولي خلال الحرب التي قادتها وحدات حماية المرأة ضد تنظيم داعش الإرهابي لتحرير مناطق شمال وشرق سوريا.

 

 

النساء الإداريات لم يسلمن من بطش مسيرات الاحتلال التركي، ففي العشرين من شهر حزيران/يونيو الماضي انتشر خبر عاجل في الصحافة المحلية بشمال وشرق سوريا مفاده انفجار سيارة مدنية في منطقة الجزيرة على الطريق الواصل بين مدينة قامشلي وناحية تربه سبيه/القحطانية إثر تعرضها لقصف مسيرة تابعة للاحتلال التركي..

لدقائق بقيت هوية الضحايا مجهولة لكن سرعان ما أفصحت الإدارة الذاتية لإقليم الجزيرة في شمال وشرق سوريا عن هوية الضحايا من خلال بيان صرحت فيه عن قضاء الرئاسة المشتركة لمجلس مقاطعتها يسرى درويش ونائبة الرئاسة المشتركة للمجلس ليمان شويش ورفيق دربهما فرات توما في الاستهداف الغادر.

رغم كل تلك الجرائم بحق أيقونات ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا فإن نساء المنطقة يأبين أن يتراجعن ولو خطوة إلى الوراء طالما اخترن انتهاج طريق الإرادة الحرة للمرأة وهو عهد تجددنه في كل مناسبة تأكيداً على رفض الاستسلام والمضي قدماً.

قد يعجبك ايضا