قراءة تاريخية قبل الصدام المنتظر بين مصر وتركيا

للصراع الدائر فى المنطقة والعالم أبعاد وأسباب كثيرة، وأبرز أسباب تلك الحروب الرغبة في الاستحواذ على موارد الطاقة، ومناطق النفوذ الاستراتيجي، والتواجد بالقرب من المياه الدافئة والمضائق المائية، وكذلك تدمير الثوابت والعقائد والأديان وكل ما هو قديم أيضا.

والأن وفي ظل التوتر المتصاعد بشرق المتوسط وشمال أفريقيا، نحن على مشارف حرب جديدة بين قمة الأضداد بالمنطقة ألا وهما مصر وتركيا، الضدان في كل شيء في التاريخ والجغرافيا وطبيعة الشعبين وكذلك الدين، نعم هذه حقيقة ولا نبالغ في ذلك، فالمنطقة لا تتحمل دولتين بطبيعة وخصائص وطموح كلٍّ من مصر وتركيا معا، وإن حملتهما سويا فعلى إحداهما حينها أن تتنازل عن دورها الإقليمي للأخرى، والتاريخ هو من يقول لنا ذلك.

ولذلك فنحن على مشارف صدام الأضداد في كل شيء، صدام بين مصر التي تم استخراج شهادة ميلادها في الكتب الإبراهيمية وسميت على اسم “مصرايم بن حام بن نبي الله نوح”، والذي جاءت من نسله شعوب فلسطين وليبيا واليونان وقبرص وكريت، وتركيا التي أطلق الصينيون أول اسم لها “ترك” تلك القبائل الهمجية القابعة بجنوب جبال ألتاي.

بين الإسلام المصري الوسطي الذي صدرته مصر لكل أرجاء العالم الإسلامي، والإسلام العثماني (إسلام المذابح، والتطهير العرقي، ونكاح الغلمان، وسبي النساء، والإعدام بالخوازيق …الخ)، والذي كانت كل غزواته موجهة ضد الدول والشعوب الأرثوذكسية فقط، وفي ذلك سرٌّ وليس مصادفة.

بين “القاهرة” التي أُسست من ألف عام، وسميت بهذا الاسم لكي تكون قاهرة جيوش العالم وقد كان، وبين “إستانبول-إسطنبول” (دار الشيطان) بعد أن حُرِّف اسمها من إسلامبول (دار الإسلام) كما أسماها محمد الفاتح، وهي المدينة التي شرعت في وقت ما قانوناً يُجرِّم ويعاقب من يذكر اسم “القسطنطينية”، مع أن ذلك الاسم هو الذي ذُكِرَ في أحاديث الأولين.

والمنطق لا يقبل أن تكون المدينة التي بها أعرق وأعظم مؤسسة إسلامية على الإطلاق “الأزهر الشريف”، وأعظم الكنائس الرسولية بتضحياتها من أجل الحفاظ على المسيحية، والتي أسست على يد ابن برقة الليبية، ومن حدث بخيمته في أورشيلم العشاء الأخير، وواحد ممن كتبوا الأنجيل، القديس العظيم مرقص أبوسطولوس، أن تكون في معادلة واحدة مع إسطنبول التي بها محفلين من أهم وأقدم المحافل الماسونية بالعالم.

حتى العنصر البشري وشتان الفرق بين الدولتين، العنصر المصري بقبطه المسيحي والمسلم، وبالمقابل ذات العنصرين “يهود الدونمة” الذين يحكمون تركيا تحت عمامة إسلامية منذ مئة عاما على الأقل وحتى الآن.

كما أن الجغرافيا التي رسمت ملامح هوية كل دولة فيما بعد، جاءت متناقضة تماما بين مصر التي جاءت أغلب مساحتها في أفريقيا، وشبه جزيرة سيناء في قارة آسيا، بينما جاءت أغلب مساحة تركيا في آسيا وجزء صغير بالشطر الأوروبي، مما جعل مصر في قلب الأمة العربية ودرة على تاج أفريقيا، وكي تكون درع وسيف العرب بكل الأزمنة، ومنارة الحضارة على البحر المتوسط منذ فجر التاريخ، بينما صارت تركيا لقيطة التاريخ وتائهة الجغرافية، تسير من فشل إلى فشل في محاولاتها كي تكون عضواً في النادي المسيحي المسمّى بـ الاتحاد الأوروبي، وكذلك فشلت في إعادة احتلالها للمنطقة العربية من جديد، وهي تركيا التي لم تكن يوما إسلامية بالمفهوم الإسلامي، ولن تعود كعلمانية كما أسسها أتاتورك.

فالحرب القادمة ستكون حرباً بالسلاح والفكر، وحرباً على الأرض وبما فيها ومن عليها، حربا على ما نملكه من ثروات وعقيدة أيضا، ومنظرو “الشرق الأوسط الجديد” منحوا الضوء الأخضر للعثمانلي، وعلى أساسه طاح في كرد شمال سوريا كي يعيد مذابح أجداده ضدهم، وكي يهدي الأمريكي نفط الجزيرة السورية على طبق من فضة، وبنفس الضوء الأخضر خاض العثمانلي في شخص الرئيس الفرنسي الذى يسعى بشتى الطرق للخروج من قطيع الخراف الأوروبي التابع للعم سام، والذى جاء عقابه في صور متعددة أبرزها السترات الصفراء، وحرق أقدم وأهم كاتدرائية بفرنسا وأوروبا كلها “نوتردام”، قبل أن يصدر له أردوغان الدواعش، وبنفس الضوء الأخضر ذهب العثمانلي يهاجم الصين ويهيج الرأي العام المسلم ضد الصين مستخدما ورقة “الأيجور المسلمون” وهي أيضا خدمة لنفس الأمريكي الذى يطير النوم من عينه بسبب التنين الاقتصادي الصيني.

والصدام بين مصر ومع الأرض الواقعة بهضبة الأناضول وما غربها المسماة حاليا بتركيا، صدام طويل منذ عهد القدماء المصريين ضد قبائل الهمج على الأرض وفي البحر، ثم في العصور الوسطى بين أمراء الأيوبيين وسلطان مصر وأول خادم للحرمين الشريفين صلاح الدين الأيوبي ضد السلاجقة لخيانتهم للعرب وتعاونهم مع الفرنجة، مرورا بحروب الظاهر بيبرس في صحراء الأبلستين جنوب مدينة قيصرية ضد التحالف المغولي السلجوقي، بعد أن فعل السلاجقة كل شيء لكسر شوكة مصر على يد المغول، ثم حروب تحرير حاكم مصر المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي للقدس والشام من الاحتلال التركماني قبل أن يصل إلى قونيا ويسيطر على شرق تركيا، وصولا لحروب الجيش المصري (جيش الفلاحين) بقيادة إبراهيم باشا ضد جيش الهجين الإنكشاري الأوروبي تحت راية الاحتلال العثماني، كي يكتب الوفاة أكلينيكيا لخلافة النار والدم التي احتلت المنطقة لقرون، وبكل حال لن تكون نصيبين وقونيا وكوتاهية آخر الحروب بين مصر وتركيا، فالمنطقة لا تقبل الإثنين معا للأسباب التي ذكرناها فى بداية المقال، وننتظر نهاية الحرب القادمة أيا كان شكلها، وما بعدها.

فادي عيد وهيب ـ الباحث والمحلل السياسي بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

قد يعجبك ايضا