النظام التركي وجّه أولى ضرباته للثورة الشعبية السِّلمية في سوريا، منذ انطلاقتها عام ألفين وأحد عشر، ولم تمضِ سوى أشهرٍ قليلةٍ حتى تدّخل بشكلٍ سافر، وعمدَ إلى تسليح جهاتٍ وعناصرَ تابعين له، بهدف إفراغ الحراك من مضمونه السِلمي في مواجهة حُكم الاستبداد بقيادة آل الأسد.
توالت بعدها الضربات التركية الموجهةُ بالدرجة الأولى لقضية الشعب السوري، الذي خرجَ مُطالبًا بالحرية والعدالة، حتى تحولت الثورة إلى حربٍ أهليةٍ حامية الوطيس، وكل ذلك حتى يتمكن من التحكم بمصير السوريين، وابتزاز ومساومة قوًى عربيةٍ ودوليةٍ أخرى، عبر المتاجرة بدماء السوريين.
وعلى مدار سنوات أعاقت تركيا دعواتٍ أطلقتها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، للبدء بحوارٍ سوري ـ سوري، وإيجاد حلٍّ سِلمي للأزمة السورية، من خلال احتلال أراضٍ سوريةٍ في الشمال السوري، ودعم فصائلَ إرهابيةٍ هناك، وتحويل الكثير من عناصرها إلى مرتزقةٍ وإرسالهم إلى ليبيا وأذربيجان ومناطق أخرى، خدمةً لأجنداتها، بعيدًا عن مصالح السوريين.
آثارٌ مدمرةٌ خلّفها النظام التركي بعد احتلاله لأراضٍ سورية، ومحاولة إحداث شروخٍ بين مكونات سوريا، عبر تهجير السكان الأصليين من مناطقهم قسرًا، وتوطين سكانٍ من ريف دمشق ومحافظاتٍ سوريةٍ أخرى في بيوتهم، ولا سيما في عفرين وسري كانيه / رأس العين وتل أبيض كري سبي.
وواصلت تركيا هجماتها على الشمال السوري لزعزعة الأمن والاستقرار فيه، مع محاولاتها لضرب مشروع الإدارة الذاتية الذي بُنيَ على التعايش المشترك بين جميع المكونات، فحاربت المدنيين في سُبُل عيشهم، من خلال استهداف البنى التحتية والخدمية للمنطقة.
سقط الأسد ولم تسقط الرغبة التركية في ضرب التعايش السلمي في سوريا، وهذه المرة عبر وفودٍ تركيةٍ متسارعة للعاصمة السورية دمشق، لمنع وصول الشعب السوري لبر الأمان، بدءًا من زيارة مدير استخبارات النظام التركي، مرورا بوزير خارجيتها، ووصولاً، اليوم، لزيارةٍ محتملةٍ تتحدث عنها وسائلُ إعلامٍ تركية، يقوم بها رجب أردوغان نفسه إلى دمشق، والهدف القضاءُ على أية محاولةٍ لِلمِّ الشمل السوري، وخيرُ دليلٍ على ذلك، الهجمات الإرهابية التي تشنها أنقرة مع فصائلها المسلحة على كوباني ومنبج وسد تشرين.
تقاريرُ خرجت إلى العلن أفادت بوجود ضغطٍ تركي متواصل على السلطات الجديدة في دمشق، تمثل بتعيين أشخاصٍ على صِلاتٍ وثيقةٍ بالنظام التركي، في مناصبَ مهمةٍ في الحكومة المؤقتة، بالإضافة إلى ضغوطاتٍ تلقَّتها الإدارةُ في دمشق لإقصاء أطرافٍ من المشاركة في الحوار الوطني السوري المزمع عقده، وبالتالي فرض الوصاية الكاملة.
وبحسب مراقبين للشأن السوري، فإن التصرفات التركية تهدف لربط سوريا بالدولة التركية، على اعتباراتٍ سياسية وجعلها ولايةً عثمانية، وغرقِ الأسواق السورية بالبضائع التركية، والأهم من هذا كله، تأليبُ السوريين بعضهم ضد بعض.