عيد الشهداء…من الأجداد إلى الأحفاد استبداد تركي عبر التاريخ

“زينوا المرجة والمرجة لينا، شامنا فرجة وهي مزينة” بهذه الأهزوجة صدحت حناجر سكان العاصمة السورية دمشق صبيحة السادس من أيار/ مايو عام ألف وتسعمئة وستة عشر، افتخاراً بخيرة أبنائهم الذين تدلت أجسادهم من حبال المشانق المنصوبة في ساحة المرجة والتي سميت لاحقاً تكريماً لذكراهم “ساحة الشهداء”.

في التاريخ نفسه تكرر السيناريو ذاته تقريباً بساحة البرج في العاصمة اللبنانية بيروت، إذ أعدمت الدولة العثمانية ثلاثة عشر ناشطاً وسياسياً.

المشهد لم يكن في بداية القصة ولا في نهايتها، بل كان في أوج اليقظة للمثقفين العرب لمواجهة الظلم البين من قبل الدولة العثمانية ورجالاتها إبان الحرب العالمية الأولى.

ظلم تُرجم في عدة صور كان أبرزها، اقتياد الشباب للدفاع عن مصالح الدولة العثمانية في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ما أثر سلباً على كافة جوانب الحياة، وأدخل المنطقة في مجاعة كبيرة، إثر تضرر الأراضي الزراعية لندرة اليد العاملة، والحصار الذي فرضته السفن البريطانية والفرنسية على سواحل بلاد الشام.

بطل الحكاية، هو جمال باشا السفاح، الضابط بالجيش العثماني، والحاكم الفعلي في سوريا، الذي أمر بشن حملة عسكرية على القوات البريطانية في مصر خلال الحرب العالمية الأولى للاستيلاء على قناة السويس، لكن الحملة فشلت فشلاً ذريعاً، وبات الجنود العثمانيون فريسةً سهلة للمدفعية البريطانية المتمركزة غربي القناة.

الفشل بالميدان، ترجمه جمال باشا بحملة اعتقالات طالت العديد من النخب العربية، بتهمة التخابر مع الاستخبارات البريطانية والفرنسية للتخلص من الحكم العثماني، قبل أن يعرضوا على محاكمة صورية في جبل لبنان ويحكم عليهم بالإعدام.

تنفيذ أحكام الإعدام بحق الأدباء والمفكرين جرى على مرحلتين الأولى كانت بالحادي والعشرين من آب/ أغسطس عام ألف وتسعمئة وخمسة عشر، أُعدم فيها عشرات الصحفيين والكتاب والحقوقيون، منهم عبد الكريم الخليل، والأخوان محمد ومحمود المحمصاني، أما الثانية فكانت في السادس من أيار/ مايو عام ألف وتسعمئة وستة عشر، وأُعدم حينها المفكر عبد الحميد الزهراوي، والأديب شفيق بك العظم، والأمير عمر الجزائري والشاعر رفيق رزق سلوم.

إعدامُ هؤلاء من قبل السلطات العثمانية كان الشرارة الحقيقية لانطلاق ما عرف بالثورة العربية الكبرى في العاشر من حزيران/ يونيو عام ألف وتسعمئة وستة عشر، من قبل الشريف حسين بن علي، الذي حاول قبل هذا التاريخ ثني جمال باشا عن قراره، لكن جهوده باءت بالفشل.

ومع أفول الحرب العالمية الأولى انتهى الاحتلال العثماني للبلاد العربية، لتنال استقلالها بعد قرابة أربعة قرون من الاحتلال الذي نكل بسكان المنطقة، وحاول طمس هويتها، ولتتحقق بذلك نبوءة صالح حيدر أحد الذين أُعدموا في الحادي والعشرين من آب عام ألف وتسعمئة وخمسة عشر، حين قال “نموت ولتكن جماجمنا أساس الاستقلال”.

هناك الكثير من الأمثلة مما سبق يمكن إسقاطها على الواقع المعاش حالياً، فالنظام التركي الذي يحتل مناطق عديدة في سوريا، يمارس بنفسه أو عبر فصائله الإرهابية انتهاكات يومية، وتغييراً ديموغرافياً ممنهجاً في مدنها، كما أنه يقتل العديد من المدنيين، ويهجرهم جراء قصف طائراته على إقليم كردستان، ناهيك عن مساهمته بتأجيج الصراع في ليبيا.

فهل تكتب نهاية للنظام التركي شبيهة بتلك النهاية التي كانت مقدرة للدولة العثمانية، يتساءل مراقبون؟