شرعنة الاحتلال ومصير التسوية السورية
لم يشهد التاريخ قط احتلالاً لم يسوِّق لنفسه المبررات الواهية التي تشرعنه، لذلك يجوز وصف التاريخ بأنه وجهة نظر، وتاريخ الاحتلال بأنه وجهة نظر مبنية على جملة ادعاءات باطلة. فالاحتلال، أيُّ احتلال، هو وجود قوة عسكرية لدولة على أراضي دولة أخرى، وما لم يحصل هذا الوجود على إجماع شعب الدولة تحت الاحتلال باعتبار مفهوم الشعب جملة خيارات تعبر عن ذواتها بحرية، وليس مجرد كتلة بشرية متجانسة يُعبَّر عنها بالإنابة، فلا يجوز شرعنة ما يُسوِّقهُ الاحتلال من ادعاءات، أو ما يسوقه من مبررات أو حجج، أحد الخيارات في الدولة تحت الاحتلال الذي استدعى الاحتلال.
وتتميز الحروب الأهلية، أو الداخلية، بكثرة التدخلات الخارجية التي يتحول معظمها إلى احتلال لا يشرعنه إجماع داخلي. أما الوجود العسكري الخارجي الذي يأتي بإجماع داخلي كما الوجود العسكري الأمريكي في اليابان أو أوروبا، ولا يلقى مقاومة من أي خيار من خيارات الشعب فلا يعتبر احتلالاً، ولكن في اللحظة التي تنشأ ضده مقاومة من أحد خيارات الشعب يفقد شرعيته ويتحول إلى احتلال.
لو لم يستدعِ النظام السوري إيران، وهو في وضع حرج عام 2012، لكانت الجمهورية الإسلامية الايرانية تدخلت من دون شور أو دستور، وبتغطية من العالم الحر وغير الحر، لأنها الوحيدة الأقرب إلى منطق كسر إرادة الشعب السوري الذي ثار ضد الاستبداد ومن أجل الحرية، بما لها من استثمارات سياسية واقتصادية وعسكرية وطائفية وثقافية في سورية، عمرها يساوى عمر إيران الطائفية الذي بدأ مع أول قدم خمينية وطأت أرض طهران، وكانت نذير موتِ أهم دولة علمانية في منطقة الشرق الأوسط، ونصير قيام دول طائفية أو دينية تنسجم مع طرح الدولة اليهودية، الذي تروج له إسرائيل.
لقد كان التدخل الإيراني بداية بواسطة ذراعها في لبنان حزب الله، بحجة حماية المراقد الدينية، ومن ثم مع تدهور وضع النظام السوري أكثر، رمت ايران بكل ثقلها في سوريا من خلال حرسها الثوري وبعض قطعاتها وخبراتها العسكرية وميليشياتها الطائفية، فاطميون وزينبيون والنجباء وعصائب أهل الحق..
ولم يتمكن الاحتلال الإيراني لسوريا بدواعي إسلامية شيعية من وقف الهجمة الإسلامية السنية الشرسة على النظام السوري، التي سرقت ثورة الحرية والكرامة بعد انطلاقتها بأشهر قليلة في عام 2011، وتحول الصراع السياسي من أجل التغيير الديمقراطي إلى صراع محاور سني ـ شيعي وصراعٍ على السلطة سني ـ علوي استدعيا الاحتلال التركي، بدايةً كان بحجة (دعم الثورة ومنع من يسميهم الانفصاليين الكُرد من إقامة كيان لهم شمالي سوريا) ولكنه انتهى فعلياً بدعم فصائل سنية مهما اختلفت بالشكل، ومهما اقتربت أو ابتعدت عن تركيا، فهي في الجوهر تحمل مشروعاً إسلامياً واحداً أساسه إخواني يتماهى مع المشروع التركي، وطبعاً حسب أفهامها للإسلام وطريقتها في إقحامه زواريب السياسة والمصالح الدولية والفئوية.
مهيب صالحة – أكاديمي وكاتب