جاءني الخبر سريعاً، بعد أن تداولته وكالات الأنباء بسرعة رهيبة، دمشق تتقدّم بشكوى لمجلس الأمن. لم أكن بحاجة لاستكمال الخبر، فالبقيّة معروفة؛ أنّ حكومة دمشق بالتأكيد تشكو الانتهاكات التركيّة لأراضيها واحتلال أنقرة أكثر من 4000 كم2 من شمال سوريّا.
كما جاء في مخيّلتي احتماليّة أن تكون الشكوى موجّهة ضدّ محاولات التغيير الدّيموغرافيّ التي تتعرّض لها مدينة عفرين السّوريّة الكرديّة، وسعيُ أنقرة لاقتطاعها من السّيادة السّوريّة عن طريق إقامة جدار عازل يفصل المدينة عن سوريّا.
كما توقّعتُ أن تكون دمشق قد تحرّكت – بوازع وطنيّ طالما افتقدته – وطالبت مجلس الأمن بوقف الانتهاكات الإيرانيّة لأراضيها، والضغط على طهران وميليشيّاتها للخروج من سوريّا ووقف عمليّات التغيير الدّيموغرافيّ بحقّ المواطنين “السنّة”.
ويمكن أن يكون قد دَبَّ خلاف روسيّ سوريّ، وتشجّعت حكومة دمشق وطالبت المجتمع الدّوليّ بإخراج القوّات الرّوسيّة التي تنتهك الأرض السّوريّة، وتحتلّ قاعدة حميميم وميناء طرطوس، خاصّة بعد انتهاء مهمّة القضاء على الإرهاب التي كانت سبباً في طلب دمشق العون العسكريّ من موسكو.
كلّ الاحتمالات كانت واردة ومقبولة بالنسبة لي وبالنسبة لأيّ عاقل، ولكن أن تتقدّم دمشق بشكوى ضدّ قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة؛ فهذه هي المفاجأة الحقيقيّة”بيانٌ نادرٌ”، هكذا وصفته معظم وكالات الأنباء، التي تناولت خبر مطالبة دمشق لمجلس الأمن بتحمّل مسؤوليّاته في وقف ما وصفها البيان بـ “اعتداءات” قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة بمناطق ريف دير الزور شرق البلاد، ونقلت الوكالة السّوريّة الرّسميّة “سانا” أنّ الخارجيّة السّوريّة أبلغت مجلس الأمن بما سمّته “مذابح” ترتكبها قسد في دير الزور.
ربّما يكن هذا الخبر هو أقوى حدث كوميديّ منذ بداية العام، أو كما يقول المصريّون نكتة 2019، فلأوّل مرّة نجدُ نظاماً حاكماً يشكو أبناء وطنه لمجلس الأمن.
هذا البيان المضحك يحمل تفسيرات عديدة كلّها لا تصبّ في مصلحة نظام دمشق، الذي يبدو أنّه فقد ما تبقّى من عقله، بعد أن فقد شرفه وكرامته يوم أن قامت ميليشيّاته باستهداف المواطنين العزّل بالبراميل المتفجّرة، واختطاف الأطفال واغتصاب النساء منذ اليوم الأوّل للثّورة السّوريّة.
يمكن النظر إلى هذا البيان على أنّه تجسيد لقلّة حيلة النظام وعجزه واعترافه بقوّة قوّات (قسد) بصورة تجعله غير قادر على مواجهتها، رغم أنّه يُفترض – قانوناً – مسؤولاً عن مواجهة أيّ نشاط مسلّح يهدّد أمن المواطنين داخل الأرض السّوريّة، باعتباره ممثّل الدّولة، كما يزعمُ.
هذا البيان، هو شهادة حقّ لقوّات سوريّا الدّيمقراطيّة، وإن بدا للبعض غير ذلك، فالنظام الذي يدّعي أنّه “حامي الأرض السّوريّة”، يتّهمها بالإرهاب، وهي نفس التُهمة التي تروّجها أنقرة التي تحتلّ الأرض السّوريّة عن (قسد).
محسن عوض الله ـ كاتب وصحفي مصري