سوريا.. كارثة تكشف الأقنعة عن المجتمع الدولي والنظام التركي

تتعدد الأساليب والموت واحد، لكن يبدو أن الموت بات شريكاً للسوريين، فأينما ولوا وجوههم، يجدونه في انتظارهم، لا هو مفارقهم، ولا هم عنه يبتعدون.

في عتمة الليل وقبيل فجر الاثنين، اختار الموت طريقة جديدة ليحصد أرواح سوريين، عانوا ما عانوه من ويلات الحرب، التي أنهكتهم بسنواتها التي تقارب اثني عشر عاماً.

خائفون، ودون خيارات، واجه السوريون الزلزال المدمر الذي كان مركزه في تركيا، الذي هاجمهم على حين غرة، واجهوه وهم في غفلة النوم، خائري القوى، واجهوه بالبكاء حيناً، وبالدعاء أحياناً أخرى، فهذا سلاحهم الأول والأخير الذي في جعبتهم.

كانت مشاهد أنقاض الأبنية المهدمة التي تحتضن الأشلاء، أكبر من أن تحتملها الأفئدة، وأصعب من أن تزيلها الأيدي العاجزة، المتجمدة، المرتجفة، من هول الموقف، ومن برودة الطقس.

أشرقت الشمس بعد ساعات، لتكشف عظمة الكارثة التي حلت بالسوريين في شمال وشمال غربي البلاد، أبنية سويت بالأرض، ولا معدات كافية لإزالة الحطام وانتشال الضحايا والمصابين، وأحدهم يبكي عزيزاً هنا، وآخر ينشد المساعدة هناك.

ومع عجز السوريين عن إنقاذ الأحياء والعثور على المفقودين، وتأمين الأدوية والأغذية، ناشدوا جميع دول العالم والمنظمات الإنسانية لإيصال المساعدات إليهم، أسوة بتركيا التي انهالت عليها المساعدات من كل حدب وصوب.

لكن لتكتمل تراجيديا المشهد السوري، أصاب الضرر الأكبر المناطق المحتلة في حلب وإدلب، والمسيطر هناك هم النظام التركي وفصائله الإرهابية، واللذين لم يقوما بأي مجهود أو عمل يسعى لتخفيف آلام المفجوعين في فلذات أكبادهم.

بل تجاوز الاحتلال التركي كل الأعراف والمواثيق الدولية، فحسب مصادر محلية منع الاحتلال إرسال أي دعم طبي أو مواد غذائية أو آليات ثقيلة لمدينة جنديرس أكثر المدن تضرراً في ريف عفرين المحتلة.

كما مارست منظمات تدعي العمل الإنساني تمييزاً في عمليات الإنقاذ وتقديم المساعدة للمتضررين من الزلزال، إذ مدت يد العون للمستوطنين في عفرين المحتلة، وتجاهلت السكان الأصليين.

في تركيا التي كانت مركز الزلزال، كان للسوريين حصة أخرى من الموت، إذ فقد الكثير حياتهم، وما زال الكثير منهم تحت الأنقاض، يستجدون نجاة من عذاب، وراحة من آلام لازمتهم منذ سنين.

التمييز نفسه الذي مورس على سكان عفرين الأصليين، مارسته فرق الإنقاذ التابعة للنظام التركي على اللاجئين السوريين، وكذلك على الكرد ممن يحملون الجنسية التركية، في نقض ظاهر لمبادئ العمل الإنساني، الذي يرفض التمييز على أساس العرق والدين واللون والجنس.

رئيس النظام التركي رجب أردوغان، والذي تنتظره انتخابات في أيار/ مايو المقبل، لم يتصدر المشهد هذه المرة، بل ابتعد عن مكان الحدث، ربما فضل عدم مواجهة غضب الأهالي من تصرف مؤسساته وطريقة نظامه لمعالجة الأزمة التي خلفها الزلزال.

في المحصلة، يبدو أنه قدر السوريين مع فصول لا متناهية من المعاناة، فلا حياتهم تشبه الحياة، ولا موتهم بهم رحيم.

ويبقى السؤال، هل ستكون هذه الفاجعة التي خلفت الآلاف من الضحايا، مدخلاً لرأب الصدع بين السوريين أنفسهم، وتكون بوابة تفضي إلى حل مستدام؟ فرب ضارة نافعة.

أم أن المستفيدين من استمرار الوضع على ما هو عليه في سوريا لهم رأي آخر؟

قد يعجبك ايضا