سوريا المستقبل.. حزب سياسي يحمل مشروعاً وطنياً عنوانه التعددية واللامركزية

التطورات المتلاحقة التي شهدتها الأزمة السورية على مدى أكثر من عقد، من حيث إنها بدأت كحَراك شعبي سلمي سرعان ما تحوّل إلى صراع مسلح بين قوات الحكومة السورية وفصائل مسلحة معارضة تدخلت فيه أطراف إقليمية ودولية عديدة، ذكّت هذا الصراع وحولته إلى حرب مفتوحة تحولت معها الأرض السورية إلى ساحة لتصفية الحسابات، جعلت من هذه الأزمة عصية على الحل، وتركت بلاداً منهارة بشكل شبه كامل من حيث البنية التحتية وأصبح معها أكثر من نصف السوريين بين نازحين داخلياً ولاجئين في دول الجوار.

تطورات رافقها حراك سياسي “معارض”، كان من المؤكد أنه مرتبط بشكل كبير بالتغيرات على الأرض وبخارطة السيطرة الميدانية، وبأجندات خارجية مرتبطة بدورها بالدرجة الأولى بالتمويل، أفرغته من مضمونه الوطني إلى خدمة أهداف الممول، فتحولت بوصلة ما تسمى المعارضة السورية، عن أهداف ومطالب الشارع التي خرج من أجلها في بداية الحراك الشعبي بالخامس عشر من آذار/ مارس عام ألفين وأحد عشر لأهداف جديدة، وآخر داخلي يتمثل بأحزاب السلطة ومؤسساتها التي لم تخرج عن خطابها القديم وربط مستقبل البلاد برموز وأشخاص، إلى جانب أحزاب وتيارات تطلق على نفسها اسم “معارضة الداخل” لم تبتعد كثيراً عن الخط السياسي للحكومة السورية، ما عدا طرح شعارات وعناوين عريضة لم تتضمن مشروع واضح بشأن الانتقال والتداول السلمي للسلطة.

في خضم كل هذه التطورات السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد، كان هناك نشاط سياسي موازٍ، يحاول القائمون عليه التأسيس لمشروع سياسي وطني جامع لكل السوريين وممثلاً لجميع المكونات والطوائف والأعراق غير مؤطر بأي إطار جغرافي أو ديني أو اجتماعي معين، يكون نواة لسوريا تعددية يتساوى فيه السوريون على اختلاف مشاربهم بالحقوق والواجبات، فكان تأسيس عدة أحزاب سياسية تحمل هذا التوجه وترفع هذا الشعار، من بينها حزب سوريا المستقبل الذي تأسس عام ألفين وثمانية عشر.

في مدينة الرقة شمال شرقي سوريا التي كانت قد بدأت تتعافى من إرهاب تنظيم داعش، بعد تحريرها من التنظيم عام ألفين وسبعة عشر على يد قوات سوريا الديمقراطية وبإسناد من التحالف الدولي، وفي يوم السابع والعشرين من آذار/ مارس عام ألفين وثمانية عشر، كان المؤتمر التأسيسي لحزب سوريا المستقبل بمشاركة ثمانمئة عضو مؤسس من جميع البقاع السورية وحضور مئة ضيف من مختلف الأحزاب والكتل السياسية والشخصيات الاجتماعية، وبعد عدة مؤتمرات واجتماعات تحضيرية بمختلف مدن شمال وشرق سوريا، جرت خلالها مناقشة مشروع وأهداف ونظام الحزب مع التيارات الأهلية، فكانت ولادة حزب جديد شعاره الأساسي “سوريا تعددية ديمقراطية لا مركزية” يتساوى فيها جميع السوريين بالحقوق والواجبات بموجب دستور وطني جديد يتّفق عليه السوريون على اختلاف توجهاتهم.

وعلى اعتبار أن الحزب تأسس في منطقة تعتبر الأكثر أمناً واستقراراً قياساً بالمناطق السورية الأخرى، باشر نشاطه السياسي مباشرة بعد عقد المؤتمر التأسيسي وانتخاب رئيس وأمين عام وأعضاء المجلس العام للحزب، متخذاً النضال السلمي العلني نهجاً لتحقيق أهدافه في تأسيس دستور وطني والتحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، مؤمناً بالتعددية وحرية المعتقد والفكر ورافضاً كافة المفاهيم والمواقف العنصرية، وساعياً لإبراز الهوية الوطنية السورية التي تضم كافة المكونات والأعراق والطوائف، ولحل الأزمة عبر حوار سوري سوري دون تدخلات خارجية، والتأكيد على أهمية دور المرأة والشباب على كافة الصعد وضمان عودة المهجرين والنازحين إلى ديارهم، والتأسيس لنظام اقتصادي يلبي كافة تطلعات واحتياجات السوريين ويقوم على التوزيع العادل للثروات، بعيداً عن الاحتكار والاستغلال.

أما في الشأن الخارجي وما يتعلق بالعلاقات مع الدول الأخرى، يشدد الحزب على ضرورة إقامة أفضل العلاقات مع دول المنطقة وبقية دول العالم على أساس التعاون المتبادل والمصالح المشتركة، بعيداً عن الاحتلالات والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والسعي إلى بناء علاقات تجارية مثمرة وحدود آمنة لدعم وإيصال المساعدات الإنسانية وإحياء المناطق المنكوبة، والمساهمة مع القوى الدولية لترسيخ الاستقرار وضمان السلم العالمي، ومحاربة التنظيمات والفكر الإرهابي وتجفيف منابع الإرهاب.

ولأن القوى والأطراف المتدخلة بالأزمة السورية، التي تسعى لتحقيق مآربها وأهدافها على حساب مأساة السوريين ومعاناتهم وأدواتها المستخدمة لتحقيق هذه المآرب ممثلة بفصائل إرهابية، لا يروق لها أي تيار أو حزب سوري، يحمل مشروعاً وطنياً حقيقياً يقود بالضرورة لتقويض مشاريعها التوسعية، فقد كان حزب سوريا المستقبل على اعتبار أنه يحمل هذا المشروع، هدفاً أساسياً لعنفها، فقدم الحزب ضحايا من أبرز قادته وأعضائه ثمناً لمشروعه الوطني كان أبرزهم عضو اللجنة التحضيرية عمر علوش والأمينة العامة للحزب هفرين خلف التي طالتها يد الغدر من قبل فصيل أحرار الشرقية الإرهابي التابع للاحتلال التركي على الطريق الدولي “إم فور” أثناء توجهها لعملها في مدينة الرقة، إبان الهجوم على رأس العين/ سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي في تشرين الأول/ أكتوبر عام ألفين وتسعة عشر، إلا أن ذلك لم يثن الحزب كما يقول القائمون عليه عن السير في درب الأهداف التي تأسس من أجلها وعلى رأسها سوريا ديمقراطية لكل السوريين.

هو حزب سياسي يحمل مشعل أمل لغد أفضل في سوريا كما يقول مؤسسوه ويطرح مشروع وطن بأكمله، يهدف لانتشاله من الحرب والصراع والفوضى إلى الاستقرار والأمن، حاملاً شعار العدالة والمساواة بالحقوق والتعددية والديمقراطية واللامركزية، التي تضع حداً للحكم الشمولي الاستبدادي بالبلاد، يتولى السوريون بأنفسهم إدارته عبر حوار وطني قائم على التشاركية من جميع المكونات بعيداً عن لغة الإقصاء والتهميش.