سجن صيدنايا.. “مسلخ بشري” برعاية النظام السوري

مع سقوط النظام السوري فجرَ الثامن من الشهر الجاري، عاد الأمل لآلاف العائلات بلقاء أحبائهم، المغيبين عنهم منذ سنواتٍ أو حتى عقود، في سجون الأسد التي كانت بعيدةً عن دائرة الضوء، بفعل آلة القمع التي تميزت بها أجهزة أمن النظام على مدار عقود.

أحد أشهر المعتقلات هو سجن صيدنايا، الذي ذاع صيته في الأصقاع لسمعته السيئة، ويعرفه السوريون حق المعرفة، وخَبرَهُ كذلك بعض اللبنانيين والأردنيين والفلسطينيين والعراقيين، وحتى الجزائريين.

هدفان اثنان مُعلنان، كانا لفصائل المعارضة المسلحة في الآونة الأخيرة، الأول كان إسقاط النظام، والثاني هو إخراج المعتقلين المغيبين قسراً في سجن صيدنايا، وغيره من السجون السرية، التي جعلها الأسد الأبن ومن قبله الأسد الأب المأوى الأخير لمئات الآلاف من السوريين الذين عارضوه، أو حتى الذين لم يعارضوه.

سجن صيدنايا العسكري، هذا هو اسمه الرسمي، لكنه يُعرف بين السوريين بالمسلخ البشري، شيده الأسد الأب عام ألفٍ وتسعمئةٍ وسبعةٍ وثمانين، ويعد أحدَ أكثر السجون تحصيناً في سوريا، يقع شمالي العاصمة دمشق بنحو 30 كيلومتراً، ويحتل تلةً صغيرةً في بداية سهل صيدنايا.

يتكون السجن من مبنيين، الأبيض وهو الجديد، مخصصٌ للسجناء الجنائيين من العسكريين، أما المبنى الثاني فيعرف بالأحمر، وهو مخصصٌ للمعتقلين الأمنيين والسياسيين من المعارضين للنظام، ويستوعبان حسب التقديرات بين عشرة آلاف إلى عشرين ألفَ شخص، لكن الأرقام الحقيقية تفوق ذلك، لا سيما مع اتباع النظام سياسة الاعتقال التعسفي بنطاق واسع، عقب عام 2011.

ومنذ ذلك الحين بات السجن الوجهة النهائية لعشرات الآلاف من المعارضين المدنيين السلميين للنظام، أو للعسكريين الذين اشتبه في عدم ولائهم له، وذلك عقب رحلةٍ قد تمتد لأشهرٍ أو سنوات رهن الاحتجاز في سجونٍ أخرى، قبل أن يخضعوا لمحاكمةٍ عسكرية سرية صورية، قد تستمر لمدة ثلاثة دقائق أو أقل من ذلك بكثير.

المرصد السوري لحقوق الإنسان، أكد مقتل 30 ألفَ معتقلٍ في هذا السجن، بين عامَي 2011 و2018 نتيجة التعذيب أو نقص الرعاية الطبية أو الجوع، كما كانت تجري عملياتُ إعدامٍ مُنتظمة مرةً أو مرتين في الأسبوع، لمجموعات تتألف من 20 إلى 50 معتقلاً في سريةٍ تامة..

مع وصول الفصائل المسلحة إلى قلب السجن، فوجئوا بالعدد الكبير من أجهزة المراقبة، التي ترصد كافة زنازين السجن، فاقتحموا الممرات وكسروا الأقفال، لتنكشف أهوالٌ ما كانت لتخطر على بال بشر.

عملية إطلاق سراح المعتقلين، كشفت عن حكاياتٍ ربما لا يصدقها العقل البشري، إذ كان هناك معتقلون منذ أكثر من 40 عاماً ومن جنسياتٍ مختلفة، وكذلك معتقلات مع أطفال، ولدوا هناك ولم يروا النور أبداً.

من المعتقلين من خرج فاقداً للذاكرة، ومنهم من لم يعلم بعد بوفاة حافظ الأسد، ومنهم من خرجوا أشباه بشر، بسبب ما لاقوه هناك على يد سجانيهم.

جدران السجن وأقبيته شاهدةٌ على شتى أنواع التعذيب، النفسي والجسدي وكذلك الاغتصاب الجماعي، وخاصةً للمعتقلات السياسيات عقب عام 2011، أو التهديد بقتل ذوي المعتقلين أثناء التحقيق.

روايات الرعب لا تنتهي في هذا السجن، الذي كلما ذُكر اسمه لدى السوريين، استرجعوا ذكرياتٍ تمنَّوا ألا تكون، فمن لم يُعتقل هناك هو أو أحد أقاربه، حتماً سمع عن قصة أحد المعتقلين وما قاساه.

وبعد ساعاتٍ طويلةٍ من البحث المستمر، أُوقفت عمليات البحث في سراديب ودهاليز السجن، الذي يمثل الصفحة الأولى من كتاب الرعب الذي حكم به آل الأسد بلداً سُمي بمملكة الخوف منذ 5 عقود…. وما خفي أعظم.

Advertisements