مع استمرار الأزمة في سوريا لأكثر من خمس سنوات قرر النظام التركي عام 2016 التدخل المباشر في الأراضي السورية لتنفيذ مخططه الاستعماري وتحقيق أطماعه في الأراضي السورية وبسط نفوذه على الفصائل المسلحة السورية، في محاولة لتأمين مصالحه في أي مسار قد تتوجه له أزمة البلاد.
عمل النظام التركي على عسكرة وارتزاق الفصائل بشمال غرب سوريا لصالحه مقدماً إياها كقوى معارضة عسكرية سورية تقاتل بالوكالة عن جيش النظام التركي وتطبق أجنداته.
وأكدت تقارير إعلامية دعم تركيا لجماعات إرهابية مدرجة على لوائح الإرهاب العالمية فقط من أجل تبسيط عملية سيطرتها على الأراضي السورية الحدودية ما أمكن.
بعد عامين من نشر قواعده وفرض سيطرته على مناطق شمال غربي سوريا مهد النظام التركي لنفسه في الفضاء السياسي الدولي الطريق من أجل احتلال عفرين شمال سوريا والتي اتخذ أهلها نموذج الإدارة الذاتية لمناطقهم من أجل حماية أنفسهم وإدارة شؤونهم وحماية إرث مدينتهم التاريخي الذي يشهد لها على التنوع والتسامح بين المكونات والأديان.
في20 كانون الثاني يناير عام 2018 هاجم النظام التركي براً وجواً منطقة عفرين في محاولة لاحتلالها، وحوصرت المنطقة من أربع جهات وتعرضت للقصف من قبل اثنتين وسبعين طائرة حربية تركية لتيسر لعناصر الاحتلال التقدم على الأرض خاصة مع إبداء أهالي عفرين ووحدات حماية الشعب فيها مقاومة كبيرة.
ومنذ اليوم الأول للهجوم ارتكب الاحتلال الجرائم والمجازر واستهدف البنى التحتية والخدمية بهدف إرهاب الأهالي ودفعهم للتخلي عن قراهم ومواقع سكناهم ومن ثم تهجيرهم.
في تلك الأثناء كانت قوات سوريا الديمقراطية تحقق الانتصارات المتتالية في تحرير مناطق شمال وشرق سوريا من سيطرة داعش، لكن محاولات احتلال عفرين من قبل النظام التركي دفعت بقسد إلى إيقاف حملاتها ضد داعش والتوجه لمؤازرة أهالي عفرين ودعم مقاومتهم.
أطلقت قوات سوريا الديمقراطية حملة مقاومة العصر متوجهة لمساندة المشروع الإداري لعفرين، فدارت معارك طاحنة في أرياف عفرين وعلى تخوم المدينة حيث تدخلت الفصائل الإرهابية التابعة للاحتلال التركي لفتح جبهات عديدة وتشتيت المقاومة.
قبيل الهجوم، صرح رئيس النظام التركي رجب أردوغان باحتلاله عفرين في غضون أسبوع، ورغم قوة العتاد العسكري الذي استخدمته تركيا وإشراكها الفصائل التابعة لها في المعركة، إلا أن وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات جبهة الأكراد وجيش الثوار وكذلك قوات الحماية الجوهرية وقوات الدفاع الذاتي في عفرين تصدوا بصدور عارية لهذا الهجوم.
المئات من أهالي عفرين أيضاً حملوا السلاح في جبهة المقاومة في الدفاع عن مدينة عفرين وريفها، وتمكنوا خلال الأسبوع الأول من منع تقدم جيش الاحتلال في القرى المحيطة بعفرين على الرغم من سوء الأحوال الجوية.
منذ اليوم الأول للهجوم انسحبت القوات الروسية وقوات النظام السوري من مراكز وجودها في المنطقة دون سابق إنذار، مع ذلك استمرت مقاومة العصر لما يقارب الشهرين إلا أن التزام المجتمع الدولي الصمت إزاء الهجوم العنيف المستمر أدى إلى احتلال عفرين بتاريخ الثامن عشر من آذار مارس 2018.
أسفر الهجوم التركي عن قصف جوي وبري على واحدة وثلاثين مدرسة في عفرين ونواحيها، ما أدى إلى فقدان ثلاثة عشر طالباً لحياته، كما طال قصف الاحتلال التركي المواقع الأثرية في كلٍ من؛ عين دارا ونبي هوري وكري ايسكا ودير بلوط وكري جندريسه وعاثت فيها خراباً.
عشرات المراكز الصحية تعرضت لقصف الطائرات الحربية التركية، من بينها “مستشفى عفرين” وذلك في 16 آذار / مارس الذي يعد الأكبر في عفرين، تزامن معه قصف على حي المحمودية بالطائرات الحربية نجم عنه فقدان خمسة وثلاثين مدنياً لحياتهم.بحسب دائرة الصحة في الإدارة الذاتية لعفرين فقد مئة وستة وسبعون مدنياً حياتهم بينهم سبعة وعشرون طفلاً وإحدى وعشرون امرأة، وأصيب أربعمئة وأربعة وثمانون مدنياً بينهم ستون طفلاً وإحدى وسبعون امرأة في الشهر الأول للهجوم، كما أفادت منظمة حقوق الإنسان في عفرين بفقدان أربعمئة وثمانية وتسعين مدنياً حياتهم في الهجمات التي شنها الاحتلال.
نتيجة الاستهدافات المتعاقبة للمدنيين وارتكاب المجازر بحقهم، أصدرت إدارة عفرين قراراً في الــ16 من آذار مارس يقضي بإخلاء أهالي عفرين للمنطقة، بسبب الاحتلال التركي، حيث اضطُرَّ نحوُ ثلاثمئة ألف مدني من عفرين، التي يبلغ عدد سكانها قرابة خمسمئة ألف نسمة، إلى الهجرة إلى الشهباء بين الـ 16 و 18 من آذار / مارس.
وخلال بيان صحفي لها في مدينة الشهباء في الــ 18 من آذار مارس أعلنت الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة عفرين، أن مقاومة عفرين دخلت مرحلة جديدة، حيث قررت إخراج المدنيين من المدينة لمنع حدوث كارثة إنسانية كبرى، وجاء في البيان أنه خلال ثمانية وخمسين يوماً من المقاومة، فقد خمسمئة مدني لحياته بينهم أطفال ونساء وشيوخ وأصيب ألف وثلاثون آخرون ، فيما قضى ثمانمئة وعشرون مقاتلاً حياتهم خلالها.
في شتاء 2019 أعلنت وحدات حماية الشعب YPG في بيان لها أن مقاومة العصر التي دامت ثمانية وخمسين يوماً أسفرت عن مقتل ألفين وأربعمئة واثنين وعشرين عنصراً من جيش الاحتلال.