في ظلّ سماءٍ مثقلةٍ بغيوم الحرب، وأرضٍ أنهكها الصراع، تعود أشباح الماضي لتطرق أبواب الحاضر من جديد. فبين أنقاض المدن السورية التي أنهكها الدمار، يطلّ تنظيم داعش الإرهابي بوجهه، محاولاً أن ينفث سمومه مرة أخرى في شرايين مجتمعٍ أنهكته المعارك.
وعلى وقع الفراغ الأمني الذي خلّفه سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وجد تنظيم داعش الفرصة سانحةً ليعيد تشكيل خلاياه النائمة. فعاد إلى سياسة الترهيب التي طالما اعتمدها، لكن هذه المرة بأساليب أكثر دهاءً. لم تعد الدبابات والمواجهات المباشرة هي الأدوات الوحيدة، بل تحوّل إلى تهديد الشخصيات الاجتماعية عبر رسائل التخويف وابتزاز الأموال، في محاولةٍ يائسة لإعادة تمويل نفسه وإثبات وجوده.
لم تكن التهديدات مجرد كلماتٍ عابرة، بل تحوّلت إلى واقعٍ دامٍ. ففي دير الزور، تلقى أنس الرفاعي، المسؤول السابق في مجلس سوريا الديمقراطية، رسائل تهديدية تطالبه بدفع خمسة وعشرين ألف دولار، وإلا سيُقتل جميع أفراد عائلته. ولم تكن الكلمات فقط هي وسيلة التخويف، فقد تعرّض منزله لإطلاق نارٍ متكرر، وقنبلةٍ لم تنفجر، كرسالةٍ واضحةٍ بأن الخطر قريبٌ جداً.
ومؤخراً كشف تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” أن داعش بات يعتمد على عملياتٍ غير مباشرة، تنفّذها خلايا نائمة دون قيادة مركزية، ما يزيد من صعوبة تتبّعه. فبين المناطق الحدودية الهشّة بين سوريا والعراق، يتسلل التنظيم كالسرطان، مستفيداً من عدم الاستقرار والنفوذ التركي المتصاعد، الذي يعيق الجهود الأمنية للقضاء عليه.
سوريا التي خرجت من حربٍ لتسقط في أخرى، تواجه اليوم معركةً جديدةً ضدّ إرهابٍ لا يعرف سوى لغة الموت. فهل يكون العالم جاهزاً هذه المرة لقطع الطريق أمام عودة داعش، أم أن التاريخ سيعيد نفسه من جديد؟ السؤال يبقى معلّقاً في هواءٍ مشحونٍ بالخوف والترقّب.