طَوال عقود من الزمن عانى الشعب السوري بمكوناته وأطيافه المتنوّعة من سياسيات التهميش والإنكار والقمع من قبل نظام عائلة الأسد، الذي مارس أشكالاً عديدةً من الظلم والاضطهاد، ووقف سداً منيعاً في وجه حقوقِهم ومطالبِهم الوطنية، لكن دوام الحال من المُحال كما يقال….سقط النظام وانهار بعد أربعة عشرَ عاماً من الاحتجاجات والحرب والدمار.
سقط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، فتنفّس الشعب السوري الصعداء وخرجت الاحتفالات في أنحاء سوريا، وتطلّع السوريون لتشكيل حكومة جديدة تراعي كلَّ المكونات والطوائف والأديان، دون إقصاءٍ أو تمييز، لكن سرعان ما “ذهبت السكرة وجاءت الفكرة” حيث تلاشت الأحلام والآمال سريعاً سرعة الأحداث على الأرض، والتي تجلّت في ارتكاب المجازر بحق العلويين في مِنطقة الساحل، بعد تصاعد خطاب الكراهية والتحريض على العنف، في ظل الحكومة السورية الانتقالية التي استلمت زمام الحكم.
ويلات جديدة ظهرت بعد تعرض العلويين لمجازرَ كبيرةٍ راح ضحيتَها المئاتُ من المدنيين العزل، فكان الدورز بريف دمشق على قائمة المستهدفين، حيث تعرضوا لانتهاكاتٍ وجرائمَ قتلٍ لكنْ ليس بمستوى الساحل، بالإضافة إلى جرائمَ متفرقةٍ ماتزال تقع يومياً سواء على خلفيةٍ طائفية أو بسبب الفوضى وفلتان الأمن والسلاح المنفلت.
الكرد لم يَسلموا من تبعات خطاب الكراهية المتصاعد، إذ تعرضوا هم أيضاً لموجاتٍ من التحريض ضدهم، سَواءٌ من بعض الأطراف المسلحة التي انضمت مؤخّراً لما تسمى بوزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية، أو عبر منصاتٍ إعلامية تتبع لأجنداتٍ متشدّدة، تغذي مناخ العداء والتمييز بحقهم.
أما سياسة التغافل التي تتّبعها الحكومة الانتقالية مع تلك الممارسات والتوجهات إضافة إلى تقصيرها الشديد مع مرتكبي الانتهاكات، فتؤكد على أنها لم تتخطَ أخطاءَ النظام السابق، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه من انفلاتٍ وفوضى وخطابٍ محرِّضٍ على القتل والكراهية والتكفير، فإن سوريا ذاهبة نحو الهاوية.
وببساطة، كلّما استمرت الخطابات التحريضية وانتشرت دون رادع، زادت احتمالية تَكرار المجازر، مما ينذر بتفكك النسيج الوطني السوري وتفشّي الفوضى والصراع الأهلي، وذلك في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى كلِّ مكوِّنٍ من مكوّناتها لتجاوز محنتها وإعادة بناء مقوماتها ضمن مناخٍ من التآخي والتصالح.
وما حدث في سوريا يؤكد من جديد حاجتَها لدستورٍ يلبّي تطلعاتِ الشعب ويراعي المكوّنات المتعددة فيها، بهدف تعزيز الوحدة الوطنية ودعمِ شعور الانتماء والعدالة، وتحقيقِ الاستقرار السياسي من خلال تقاسم السلطة بشكلٍ عادل، وضمانِ الحقوق والحريات، وبالتالي إعادة بناء الثقة بين المكوّنات وهذا ما تحتاجه سوريا لتنهضَ وتأخذَ دورَها الرّيادي في المِنطقة، أمّا البديلُ فكارثيٌّ بكلِّ معنى الكلمة.