بعد أكثرَ من ثمانية أعوام، عادت مدينة حلب شمالي سوريا إلى دائرة الضوء مجدداً، مع إعلان هيئة تحرير الشام الإرهابية” جبهة النصرة” سابقاً، وفصائلَ مسلحةٍ تابعة للاحتلال التركي، شنَّ هجومٍ واسعٍ يستهدف المدينة من ريفها الغربي فجرَ الأربعاء الماضي.
تتالت الساعات الأولى من الهجوم، وتتالى معها سقوط القرى والبلدات والمواقع العسكرية التابعة لقوات الحكومة في الريف الغربي وكذلك الجنوبي لحلب، كتساقط أوراق الخريف، وما إن جاء اليوم الثاني حتى كانت الهيئة الإرهابية ومن معها قد وصلوا إلى تخومِ حلب، قبل أن يقطعوا الطريق الدولي M5 الواصل بين المدينة والعاصمة دمشق.
وفي اليوم الثالث تمكّن المهاجمون من دخول أحياء الراشدية والحمدانية وحلب الجديدة في المدينة، عقب تنفيذ هجومٍ انتحاريٍّ مزدوج، بسيارتين مفخختين.
التطور الميداني الأخير، رسم إشاراتِ استفهامٍ حول الغاية من الهجوم وتوقيته وآلية التنفيذ، التي اعتمدت عليها الهيئة الإرهابية، التي يدّعي الاحتلال التركي أنه يعاديها كونها مدرجة على قوائم الإرهاب العالمية، إلا أن الفصائل المسلحة التي تتبعه تشاركها الهجوم على حلب، دون تقديم تفسيرٍ لهذه الشراكة.
وأنقرة نفسها يتهمها مراقبون بأنها شريكةٌ في هذا الهجوم، أو راضيةٌ عنه على الأقل، فهو يساعدها في فرض شروطها على دمشق، بخصوص التطبيع المتعثر منذ أكثر من عام، مع إصرار الحكومة السورية أن يُقامَ على أساس خروج الجيش التركي من كافة الأراضي السورية. وبهذا ربما تستعمل تركيا الهجومَ على حلب، كورقة ضغطٍ أخيرة، لإرغام الحكومة السورية على الموافقة لعودة العلاقات، دون تخليها عن قواعدها العسكرية داخل سوريا.
فيما ذهب آخرون إلى أن هذا الهجومَ هو بدايةُ نهايةِ هيئة تحرير الشام الإرهابية ومتزعمها أبو محمد الجولاني، الذي يعارض التطبيع بين دمشق وأنقرة، وهي الآن تقدمه كبشَ فداءٍ للحكومة السورية، لتعود سيطرتها على مدينة إدلب، بعد حوالي عشر سنواتٍ من سقوطها، مقابل التطبيع، وكذلك مشاركة أنقرة في ضرب مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا.
وبين هاتين النظرتين، هناك تحليلاتٌ كثيرةٌ لا يسعنا الوقت لذكرها، إلا أن المتضرر الوحيد من كل ما سبق، هم المدنيون، الذين دائماً ما يكونون حطبَ مِحرقة، ووقودَ حربٍ لا ناقةَ لهم فيها ولا جمل.