حروب السلطة “تشرعن” الإبادات الجماعية … غزة والسودان نموذجاً

شهد تاريخ الإنسانية، العديد من المجازر والإبادات الجماعية، فالتاريخ الطويل مليءٌ بحروبٍ أُسُّها وأساسها النزاعُ على السلطة، وفاتورتها آلافٌ بل ملايين من الضحايا، خاصةً في الحربَين العالميتين الأولى والثانية، اللتين حملتا معهما قصصاً مأساوية، ومعاناةً غير مسبوقةٍ لشعوبٍ متجذرة، أي أصلية مئةً في المئة. ومن أشهر جرائم الإبادة الجماعية، التي عرفها التاريخ، هي مذبحة سربرنيتشا، وصبرا وشاتيلا، والإبادة الجماعية والتطهير العرقي في رواندا، وما قام به النازيون الألمان ضد اليهود، أثناء الحرب العالمية الثانية، إبادةُ الأرمن على يد العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى الأكثر فظاعةً على الإطلاق، وذلك قبل أن يرتكب الأتراك بقيادة أتاتورك، مجازرَ بحق الشعب الكردي في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي بشكلٍ خاصة، والحبلُ على الجرّار ما دمنا نتحدث عن تركيا والشعب الكردي، ولا ننسى ما تعرض له الإيزيديون في سنجار شمالي العراق، على يد داعش داعميه.

بطبيعة الحال، معظم الحروب دارت رحاها حول من سيتمكن من اعتلاء عرش السلطة، ويتحكم بمصير شعوب الأرض قاطبة، وفي وقتنا الراهن أيضاً، تتعرض عديدُ الشعوب لهذا النوع من الإبادة والمجازر، وسط صمتٍ متعمَّد، بمثابة ضوءٍ أخضرَ للنيل من قضاياهم العادلة.

الحرب بين حركة حماس وإسرائيل، التي تصاعدت حدتها، بعد الهجوم الذي شنته حماس ضد إسرائيل، في 7 أكتوبر من العام المنصرم، تُخفي خلفها جرائمَ ومجازرَ يتعرض لها الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي. الأمر الذي فاقم من المعاناة، وعلى وجه الخصوص لدى سكان غزة، الذين دفعوا ثمناً غالياً ولا يزالون يدفعونه، نتيجةَ سياسات حماس الفاشلة، وغير المحسوبة، ومواقفها غير الصائبة، بحسب ما تؤكد الوقائع، خاصةً بعد أن زجَّت بالشعب الفلسطيني في تَهلُكَةِ حربٍ عصيبة، قررتها حماس نيابةً عنه….حربٌ لا تلوح في الأفق نهايةٌ قريبةٌ لها.

نعم إنها حروب السلطة يا سادة…حروبٌ تلتهم كل ما يقف في طريقها… تبيد الشعوب وتهدر الدماء وتقمع الإرادات الحرة، وتحاول طمس هوية الشعوب التواقة للحرية والعيش الكريم، بعيداً عن عالم الفوضى والأوجاع. هذه الحرب العبثية، دمرت المجتمع في غزة، وفككته، وجردت الإنسان فيها من حقوقه الأساسية، بعد أن سلبت رأيه وإرادته، ما ينذر بتفكيك النسيج الاجتماعي بشكلٍ ممنهج.

فوضع الدمار الهائل الذي وقع ويقع في غزة، والفقر المدقع الذي يعاني منه السكان، إنما هو نتاجُ سياسات المحاربين، للوصول إلى هرم السلطة، ومجرد أوهامٍ تغذيها نيران الأنانية، على حساب أرواح الأبرياء، الذين يسقطون في حربٍ لا مصلحةَ لهم فيها…حروبٌ غير متكافئة، يدفع فيها الضعيف ثمن ذنبٍ لم يرتكبه.

بحسب إحصائياتٍ رسميةٍ في غزة، فقد قُتل نحو أربعين ألفَ فلسطيني، وأُصيب نحو تسعين ألفاً آخرين، بعد الهجوم على القطاع، منذ 7 أكتوبر، هذا بالإضافة إلى نزوح مئات الآلاف من ديارهم، وتدمير منازلَ وأحياءٍ بل وحتى مدناً بأكملها، بفعل آلة الحرب التي لا ترحم، فمن لم يمت بالقصف مات جوعاً أو عطشاً، أو مازال ينتظر دوره كمشروعِ موتٍ محقق…..هذا للأسف ما يجري في غزة حالياً.

وعلى الرغم من ادعاءات تتحدث عن مسارٍ من المحادثات الإقليمية والدولية، من أجل إنهاء هذه الأزمة الكبيرة والكارثة الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، إلا أن الشعب الفلسطيني يتعرض لأبشع إبادةٍ جماعية، وببساطة، فإن هناك أطرافاً تسعى جاهدةً لتمرير مصالحها وأجنداتها، وليس وقف الحرب التي تحصد الأرواح….وهنا تبرز معادلةُ قطر للعيان، دون أن تحتاج إلى برهان….هذه الدولة التي تحاول تعويض حجمها الصغير جداً، على حساب قضية الشعب الفلسطيني، فتدفع المال ليتردد صدى اسمها في المحافل الدولية…. قطر قالت… قطر توسطت….. لكنها لا تعلم، أو ربما تتجاهل، أن المال لم يخلّد اسماً في التاريخ يوماً.

حركة حماس التي فاقمت من معاناة الفلسطينيين، لها الدور الكبير في تعميق هذه الأزمة وتنفيذ هذه الإبادة، مناصفةً مع الأطراف الأخرى، التي تمنع إيصال المساعدات الإنسانية، ما يشكل حالةً صعبةً في ظل حربٍ مدمرة، في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة وتدمير البيئة بشكلٍ كامل.

الأمراض المتفاقمة والمجاعات المتزايدة والتحديات الأمنية والاجتماعية المستمرة، وحرمان الآلاف من حق التعليم والالتحاق بصفوف الدارسة، هي نتائجُ إضافيةٌ مترتبةٌ على الحرب، وباختصار، بات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، عالقاً بين فكي كماشة الحرب.

مئات العائلات فرّت من منازلها، في درجات حرارةٍ مرتفعة، سيراً على الأقدام، بين الأنقاض والجثث، فيما فضّل الكثير منهم البقاء في منازلهم، رغم دمارها، على أن يخرجوا منها نازحين في العراء، بلا مأوىً بلا طعامٍ وبلا ماء.

في السودان أيضاً، الذي يشهد حرباً ضروساً بين الجيش وقوات الدعم السريع، منذ نيسان العام الماضي، تتعرض الشعوب هناك على اختلافها، “العرب وقبائلُ إفريقيةٌ أخرى غير عربية” لهجمات الإبادة الجماعية، فقد قُتل حتى الآن أكثرُ من أربعين ألف شخص، فيما تدق جماعاتُ الإغاثة ناقوسَ الخطر، مع زحف المجاعة إلى مساحاتٍ جغرافيةٍ واسعة، فيما يشكل النساء والأطفال النسبة الكبيرة من بين ضحايا هذا الصراع الدامي، حيث فجرت الحرب في هذا البلد أكبر أزمة نزوحٍ في العالم، ودفعت ما يقرب من 10 ملايين شخص، للنزوح وهجرة منازلهم وقراهم ومدنهم، ليجدوا أنفسهم في مواجهة انتهاكاتٍ واسعةِ النطاق، خاصةً في رحلة البحث عن المأوى الآمن داخل البلاد وفي دول الجوار، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة. فضلاً عن الآلاف الذين لا يملكون المال اللازم للفرار أو ليس لديهم مكانٌ يذهبون إليه.

ومن الواضح أن طرفي النزاع في السودان، يعيقان وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين، وعليه فإن الشعب السوداني يواجه أزمةً إنسانيةً خطيرةً وغير مسبوقة، وسط حاجةٍ ماسةٍ إلى ممراتٍ إنسانيةٍ آمنة، من أجل وصول المواد الإغاثية إليهم.

وفي حال عدم توصل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلى حلٍّ ومصالحةٍ وطنية، على أساس حوارٍ داخلي، يرضي جميع الأطراف، وإنهاء معاناة الشعب السوداني، فإن منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، مقبلةٌ على كارثةٍ إنسانية.

نعم هي حروبٌ مُفتعلة، في طريق الجلوس على عرش السلطة، حتى وإن كان الثمن ارتكاب مجازرَ وإباداتٍ جماعية، افتعلتها دولٌ و جماعاتٌ وفصائلُ وشخصيات، امتهنت “عمليات السطو” على قيم الشعوب الأخلاقية والثقافية والإنسانية، تدفعهم إلى ذلك المصلحةُ والمنفعة الخاصة، أما العامة فليذهبوا إلى الجحيم……هذا باختصار ما يجري… وهم نفسهم الذين خلقوا أزماتٍ تتعلق بالمناطق، وكانت النتيجة جفافَ البحيرات والينابيع والأنهار، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فنحن مقبلون على عالمٍ يكون العيشُ فيه بكرامةٍ وحرية، ضرباً من الوهم و الخيال.

إنها حروب السلطة، تشرعن الإبادات الجماعية، وتزيد من ارتكاب المجازر بحق الإنسان والطبيعة والبيئة، وتقضي على الأخضر واليابس، لذا يتوجب على الشعوب الأصيلة التواقة للحرية، النضالُ وفق أسسٍ عمليةٍ علمية، تستند إلى مبادئ، عمادها الحوار السليم، على اعتبار أن الحروب ليست بالتأكيد الحل الأنسبَ لحلِّ القضايا العالقة في منطقة الشرق الأوسط مثلاً، المليئة بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

وتبقى المسارات والخيارات الديمقراطية، هي الحلول الأنجح لحل المعضلات، بعيداً عن ثقافة القتل والدمار والعنف والتهجير، والنزوح والترحيل والألم والمآسي، والمعاناة والجوع والفقر، وكل ما يتسبب في فناء الإنسان، ودمار البيئة والطبيعة.

الكاتبة : هيفيدار خالد 

المصدر : قناة اليوم 

قد يعجبك ايضا