على بعد نحو عشرة كيلومتراتٍ فقط عن مدينة حلب، إلى الجنوب الشرقي منها، تتجسد صورةٌ مصغرةٌ متكاملة، عن طبيعة المجتمع السوري الناجح بأدق تفاصيله، من حيث رائحة التراث التي تعبق في المنازل، والتمسك ببعض العادات والتقاليد الأصيلة، ومزاولة الأعمال الإنتاجية الوفيرة.
تتزاحم الذكريات الوليدة لبعض العادات والتقاليد على جدران الذاكرة، لدى أهالي بلدة تل عرن الكبار في السن، فالرجال والنساء سواسيةٌ في العمل، يدًا بيدٍ يتقاسمون أشغالهم اليومية، حيث ما تزال أغاني الحصاد اليدوي، تصدَحُ في آذانهم، ورائحةُ الزبدة الشعبية التي يستخلصونها، ما تزال تضوع في قسَمَاتِ أيديهم.
محاصيلُ زراعيةٌ وفيرة، تقوم بإنتاجها بلدة تل عرن، ما يجعل منها سلةً غذائيةً بكل معنى الكلمة، ولا سيما لمدينة حلب المجاورة، إذ ترفُدُها بأهم المحاصيل الصيفية والشتوية، كالقمح والذرة والخضراوات بأنواعها.
موارد تل عرن لم تتوقف عند الزراعة وأنواعها، بل تعدّتها إلى الموارد الحيوانية، حيث تمتلك أعداداً كبيرةً من الأغنام والأبقار، ما يشكل تكاملاً اقتصاديًّا لصالح البلدة بشكلٍ خاص، ومدينة حلب بشكلٍ عام، إذ لا بد لمنتوجاتها أن تتدفق إلى أسواق حلب.
عندما توجد المنافسة في الإنتاج، فذاك دليلٌ على انتشار الوعي وإدراك أهمية بعض المحاصيل الزراعية، لتلبية احتياجات السوق المحلية، وتوريد الفائض إلى الأسواق المجاورة، وهذه حالُ مزارعي بلدة تل حاصل، الذين تميزوا في إنتاج البطاطا السورية.
وهكذا فإن لكل بلدةٍ حكاية، ولتل حاصل وتل عرن حكايةٌ طويلةٌ تتقاطع حواراتها مع الجِد والعمل والمثابرة والتعايش، لتضرب بذلك أفضل مثلٍ في تحقيق النجاح، بالتغلب على المصاعب والتحديات مهما كانت.