تعديلات قانون الأحوال الشخصية في العراق كارثة للنساء والفتيات الشابات
أثار مشروع قانون تعديل الأحوال الشخصية الذي تقدم به النائب عن “لإطار” الشيعي، رائد المالكي وحصل على دعم من قبل كتل وقوى “الإطار التنسيقي”، في البرلمان العراقي، استياءً وردودَ فعلٍ غاضبةً في الشارع العراقي، وجدلاً واسعاً ومخاوفَ بين أوساط الناشطين الحقوقيين والنسويين. فقد أصدرت مجموعة كبيرة من الأكاديميات والفنانات والأديبات العراقيات، بياناً رفضن فيه تعديل قانون الأحوال الشخصية 188 لسنة 1959، مؤكدات فيه على أن هذه التعديلات ستؤدي حتماً إلى طمس الهوية الوطنية، وتغليب الهويات الفرعية والطائفية، وتقويض المكاسب التي تحققت لحماية حقوق النساء، وإعادة العراق خمسين سنة إلى الوراء.
ويقضي التعديل بمنح الزوج الأحقية في اختيار المذهب الذي يتم على أساسه عقد قران الزواج. وينص القانون المعمول به حالياً على أن للأم الحق بحضانة الولد وتربيته حال الزواج وبعد الفرقة، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، في حين أن التعديل، يسلب الأم حق حضانة الولد إذا تزوجت. وكان للولد المحضون أيضاً حق الاختيار عند بلوغ الخامسة عشرة من العمر، في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار، بينما التعديل الجديد على القانون هو تخييره بعمر سبع سنوات فقط.
وينص القانون المعمول به حالياً، على أن يكون التفريق وفقا للقانون المدني، لكن التعديل يقضي أن يتم وفقاً للفقه السني أو الشيعي حسب اختيار الزوجين، وفي حال لم يكن للزوجة مذهب فقهي، للاحتكام إليه، تعتمد المحكمة مذهب الزوج في التفريق بينهما، بما يتعلق بالحقوق. ويتضمن التعديل أيضاً، إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الخلع والتفريق، وهو ما اعتبره الرافضون للقانون ترسيخاً للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وابتعاداً عن الدستور الذي نص على مدنية الدولة العراقية.
طرح هذا المقترح في هذا التوقيت له دلالات عديدة حيث تحاول بعض الأطراف داخل البرلمان العراقي المساومة على بعض القضايا من أجل مصالح طائفية بحتة تعود بالفائدة على أحزاب وسلطات، ربما لكسب أصوات في الانتخابات القادمة. ولا يخفى على عاقل أن تمرير هكذا قوانين لا تخدم الشعب العراقي بل تخدم فئة معينة وأطرافاً لا تريد للعراق وأهله الخير.
ولكن تساؤلات عديدة تطرح حول مساعي تلك الأطراف.. لماذا تحارب المرأة بهذا الشكل غير اللائق؟ ومن يقف وراء كل هذه المحاولات التي تجر المجتمع العراقي إلى التخلف والرجعية؟ وتهدد السلم المجتمعي وتقسم المجتمع. كيف لهذا النائب الذي قدم هذا المقترح في البرلمان أن يرفض تزويج ابنته بعمر صغير، بينما يقبل لغيره؟ لماذا تقبل لغيرك ما لا تقبله لنفسك؟ نعم إجراء تعديلات في قانون الأحوال الشخصية جريمة بحق النساء العراقيات في العصر الحديث. فهم يسعون من خلال هذه القوانين والتشريعات إلى حرمان المرأة العراقية من حقها في حضانة الأطفال وتزويج القاصرات اللاتي سيسلب منهن الزواج كل حياتهن، وبالتالي تدمير المجتمع العراقي بالكامل.
نعم هذا المشروع، مشروع مذهبي وليس ديمقراطياً، ويسعى إلى تقليص سلطات القانون ضمن المحاكم وترسيخ مبدأ أن المرأة هي فقط آلة للإنجاب والمتعة مرة أخرى بين صفوف المجتمع. وانتشار الأمية بين جميع الأفراد مما يزيد الطينة بلة ويساهم في زيادة جرائم القتل والعنف وفتح الطريق أمام خلق مشاكل أسرية وارتفاع نسبة حالات هروب الفتيات من البيت نتيجة الانتهاكات التي سيتعرضن لها في حال تمرير هذا القانون.
وأمام هذا الخطب الجلل تؤكد الأوساط النسائية والحقوقية في العراق أن مشروع قانون تعديل الأحوال الشخصية، طرح مقابل تمرير قانون العفو العام الذي تقدم به بعض أعضاء المذهب السني قبل الآن، الأمر الذي يعقد المشهد السياسي العام في البلاد ويضع حياة النساء في خطر ويزيد من هيمنة رجال المرجعيات الدينية. كان على البرلمان دعم المرأة العراقية مادياً ومعنوياً وتعزيز دورها القيادي في المجتمع وعدم الرضوخ لمطالب تحاول الحصول على مكتسبات على حساب حياة المرأة التي تشكل المجتمع بأكمله؛ لأن استهداف المرأة يعني استهداف المجتمع ككل.
نعم كيف للفتاة قاصر أن تتزوج وهي لم تفهم الحياة كما ينبغي بعد؟ ولا تستطيع تحمل المسؤولية وأعباء كثيرة تهددها حياتها وكيانها وتخلق لها مشاكل كبيرة واضطرابات وعواقب وخيمة على الصحة البدنية والنفسية، إضافة إلى حرمانها من التعليم والعمل، في انتهاك صارخ لحقوق الطفولة. وكل ذلك أنما هو من أجل تعزز هيمنة الرجل على المرأة، وسلب حقوقها كزوجة وأم، والتشجيع على الزواج خارج المحاكم، وحرمان المرأة من الميراث والنفقة.
كشف استبيان أجراه “فريق استطلاعات الرأي العراقي” الأسبوع الماضي أن أكثر من 60 ألف شخص من كلا الجنسين شاركوا في الاستبيان حول تعديل قانون الأحوال الشخصية، “رفضوا بقوة” مشروع التعديل. إلا أنه ما زالت المخاوف قائمة. وكانت قد أطلقت حملة عالمية تضامناً مع المرأة العراقية والوقوف في وجه القرارات والقوانين التي تشرعن عبودية المرأة وتقر ممارسة العنف ضدها وتساهم في استهداف المكتسبات التي حققتها، وبالتالي عيشها في ظروف أشبه بالظروف والأحكام التي فرضها داعش على المرأة إبان سيطرته على العديد من المناطق في سوريا والعراق إذ جعلهن سبايا وجواري وحطم حياتهن بشكل كامل.
على الجميع رفض هذه التعديلات رفضاً قاطعاً؛ لأنها تنتهك حقوق المرأة العراقية وتسلب إرادتها والنضال من أجل عدم تمرير الموافقة على هذا القانون في البرلمان. على المنظمات النسوية والحقوقية أن تحتشد ضد هذا القرار الجائر بحق المرأة وضرورة التكاتف المجتمعي للحفاظ على النسيج العام.
على المرأة العراقية الرائدة التي كانت تتمتع بالحقوق والحريات التي أقرها دستور البلاد تصعيد نضالها أكثر من أي وقت مضى للوقف في وجه كل مساعي سلب حقوقها. كلنا أمل بأن لا يتم تمرير هذا القرار كما حصل من قبل في عام 2014.
الكاتبة : هيفيدار خالد
المصدر : قناة اليوم