تعاسة سوريا وكذبة الحل السياسي
في انتظار أن يُكتب الدستور من قبل سوريين، كما تزعم الأمم المتحدة، ستشهد سوريا المزيد من الانهيارات البشرية والمادية التي تقع في دائرة تتسع كلما مرّ الوقت.
فبعد مسلسل التشرد والاستباحة والانتهاك وصولا إلى القتل الفردي والجماعي في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، حط الآن شبح المجاعة والفاقة والعوز في المناطق التي يديرها النظام بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة.
غدت العشرية السوداء وراءنا لنبدأ في العد. فما هو ثمن ذلك الدستور الذي لم يُكتب منه سطر حتى الآن؟ وهل أن السوريين المكلّفين بكتابته مهتمون بالقيام بمهمتهم التي لا يستغرق القيام بها بالنسبة إلى المختصين إلا أياما معدودات؟
ما من أحد في الأمم المتحدة يمكنه الإجابة على أي سؤال يتعلق بتلك الخطوة التي تمهد لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة. أي انتخابات حقيقية في سوريا.
النظام من جهته لا يعير أي نوع من الاهتمام للمسألة. وبدلا من الضغط على النظام لإجباره على القبول بالخطوات الأممية نرى أن إدراج الأمم المتحدة فارغة فيما تضغط الولايات المتحدة من خلال عقوبات فرضتها على الشعب بعد أن عاش تلك العشرية السوداء يكابد مرارة العيش في ظل نظام سياسي غير قادر على أن يراه بحجمه الحقيقي.
يُصدم المرء حين يعرف أن المؤسسات السياسية العالمية تتعامل مع المسألة السورية ببطء شديد فيما يعيش السوريون في مختلف البقاع التي يقيمون فيها ساعة قيامتهم التي امتدت على سنوات طويلة من العذاب وهي مؤهلة لأن تمتد سنوات أخرى.
من الصعب رؤية التقنيين السياسيين وهم يتسلّون بمسألة إنسانية ينبعث الألم من كل منعطف من منعطفاتها. وقد طوى الشعب السوري الكثير من صفحات مأساته غير أن ما يستشف من سلوك المجتمع الدولي أن هناك الكثير من الصفحات التي لا يزال على ذلك الشعب القيام بطيها.
هل قرّر المجتمع الدولي أن يجوّع السوريين من أجل أن يضعهم تحت مطرقة مساعداته وسندان النظام؟ تلك واحدة من أكثر الأفكار فسادا وانتهاكا لحرمة الكرامة الإنسانية، فهي تنطوي على رغبة عميقة في الإذلال. وهو ما جرّبه المجتمع الدولي مع العراقيين لسنوات طويلة. وكانت تلك التجربة قد انطوت على الكثير من عناصر العار.
يسخر المرء من نفسه لو قال “إن المأساة السورية لا يمكن إنهاؤها إلا عن طريق الحل السياسي” ذلك ما يقوله المجتمع الدولي. وهو بالضبط ما تقوله الدول المساهمة في تعذيب الشعب السوري وقد ساهمت من قبل في تدمير سوريا بمختلف الوسائل.
ولو شئت الحقيقة، فما من شيء اسمه الحل السياسي.
لو كان هناك حل سياسي لكُتب الدستور منذ سنوات طويلة ولفرضه المجتمع الدولي على نظام الأسد وبالأخص أن روسيا هي التي دعت إلى كتابته.
لو كان هناك حل سياسي لتم إجبار إيران وتركيا على إخراج قواتهما والميليشيات التابعة لهما من سوريا.
لو كان هناك حل سياسي لتم النظر إلى موضوع إعادة إعمار سوريا بطريقة جادة من أجل أن يعود النازحون إلى بيوتهم.
لو كان هناك حل سياسي لما سُمح للولايات المتحدة بفرض عقوبات على سوريا من أجل تجويع شعبها. غير أن ذلك الحل لا وجود له. ولو أن النظام السوري أعلن عن قبوله بذلك الحل لكان قد أحرج العالم كلّه. غير أن النظام بسبب غبائه السياسي لم يعلن عن ذلك.
الحل السياسي في سوريا هو فضيحة المجتمع الدولي.
لقد تُركت سوريا تُدمّر عبر السنوات العشر الماضية. تُركت تركيا تستقبل الجماعات الإرهابية وتنظمها وتدرّبها وتنقلها إلى الأراضي السورية ومن ثم تمرّر لها المال والسلاح والغذاء. تُركت إيران وهي تنقل ميليشياتها القادمة من كل مكان إلى الأراضي السورية وتزودها عن طريق مطار دمشق بالمال والسلاح. فُتحت حدود سوريا لتنظيم داعش الذي سيترك بصمته على تاريخ مدن سورية إلى أبد الآبدين.
كان الحل السياسي ممكنا يوم كانت هناك معارضة سورية مدنية هي التي أدارت الحراك السلمي. لكن الموافقة على تسليح الثورة كانت هي الحبل الذي خنق ذلك الحل. وكما أرى فإن تلك الموافقة قد تمت باتفاق دولي.
لا يزال المجتمع الدولي واقفا عند حدود الرغبة في تدمير سوريا. وهي رغبة لا يمكننا الحكم الآن فيما لو أنها انتهت أم لا.
ما يبدو واضحا أن لا شيء في الأفق يشير إلى أمل في الذهاب إلى حل سياسي للمسألة السورية التي ستظل تراوح بين الحرب وتبعاتها من غير أن تخرج من دائرة تعاستها.
الكاتب: فاروق يوسف
المصدر: العرب